يقول لهم المؤمن : ما بالي أدعوكم إلى النجاة، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وتصديق رسوله ﷺ الذي بعثه ﴿ وتدعونني إِلَى النار * تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بالله وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ﴾ أي على جهل بلا دليل ﴿ وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى العزيز الغفار ﴾ أي هو في عزته وكبريائه يغفر ذنب من تاب إليه ﴿ لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تدعونني إِلَيْهِ ﴾ يقول : حقاً، قال ابن جرير : معنى قوله :﴿ لاَ جَرَمَ ﴾ : حقاً، وقال الضحاك ﴿ لاَ جَرَمَ ﴾ : لا كذب، المعنى إنّ الذي تدعونني إليه من الأصنام والأنداد ﴿ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدنيا وَلاَ فِي الآخرة ﴾ قال مجاهد : الوثن ليس له شيء، وقال قتادة : يعني الوثن لا ينفع ولا يضر. وقال السدي : لا يجيب داعيه لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا كقوله تبارك وتعالى :﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ الله مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى يَوْمِ القيامة وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ ﴾ [ الأحقاف : ٥ ] وقوله :﴿ إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا استجابوا لَكُمْ ﴾ [ فاطر : ١٤ ]، وقوله :﴿ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى الله ﴾ أي في الدار الآخرة فيجازي كلاً بعمله، ولهذا قال ﴿ وَأَنَّ المسرفين هُمْ أَصْحَابُ النار ﴾ أي خالدين فيها بإسرافهم وهو شركهم بالله عزّ وجلّ ﴿ فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمْ ﴾ أي سوف تعلمون صدق ما أمرتكم به ونهيتكم عنه، ونصحكتم ووضحت لكم، وتتذكرونه وتندمون حيث لا ينفعكم الندم ﴿ وَأُفَوِّضُ أمري إِلَى الله ﴾ أي وأتوكل على الله وأستعينه، وأقاطعكم وأباعدكم، ﴿ إِنَّ الله بَصِيرٌ بالعباد ﴾ أي هو بصير بهم تعالى وتقدس، فيهدي من يستحق الهداية، ويضل من يستحق الإضلال وله الحجة البالغة، والحكمة التامة، والقدر النافذ.
وقوله تبارك وتعالى :﴿ فَوقَاهُ الله سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ ﴾ أي في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فنجاه الله تعالى مع موسى ﷺ، وأما في الآخرة فبالجنة، ﴿ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سواء العذاب ﴾ وهو الغرق في اليم ثم النقلة منه إلى الجيحم، فإن أرواحهم تعرض على النار صباحاً ومساء إلى قيام الساعة، فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم في النار، ولهذا قال ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة أدخلوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذاب ﴾ أي أشده ألماً وأعظمه نكالاً، وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة علىعذاب البرزخ في القبور، وهي قوله تعالى :﴿ النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً ﴾. وقد روي عن عائشة رضي الله عنها « أن رسول الله ﷺ وقال :» إنما يفتن يهود «، قالت عائشة : فلبثنا ليالي ثم قال رسول الله ﷺ :» ألا إنكم تفتنون في القبور «، قالت عائشة رضي الله عنها : فكان رسول الله ﷺ بعد، يستعيذ من عذاب القبر »


الصفحة التالية
Icon