هذا إنكار من الله تعالى على المشركين الذين عبدوا معه غيره، وهو الخالق لكل شيء، المقتدر على كل شيء ﴿ قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ﴾ أي نظراء وأمثالاً تعبدونها معه، ﴿ ذَلِكَ رَبُّ العالمين ﴾ أي الخالق للأشياء هو رب العالمين كلهم، وهذا المكان فيه تفصيل لقوله تعالى :﴿ خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾ [ الأعراف : ٥٤ ] ففصل هاهنا ما يختص بالأرض مما اختص بالسماء، فذكر أنه خلق الأرض أولاً لأنها كالأساس، والأصل أن يبدأ بالأساس، ثم بعده بالسقف، كما قال عزّ وجلّ :﴿ هُوَ الذي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً ثُمَّ استوى إِلَى السمآء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سماوات ﴾ [ البقرة : ٢٩ ] الآية، فأما قوله تعالى :﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السمآء بَنَاهَا ﴾ [ النازعات : ٢٧ ] إلى قوله :﴿ والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا ﴾ [ النازعات : ٣٠-٣١ ]، ففي هذه الآية أن دحو الأرض كان بعد خلق السماء، فالدحو مفسر بقوله :﴿ أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا ﴾ [ النازعات : ٣١ ] وكان هذا بعد خلق السماء، فأما خلق الأرض فقبل خلق السماء بالنص، وبهذا أجاب ابن عباس فيما ذكره البخاري عن سعيد بن جبير قال : قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما : إني لأجد في القرآن أشياء تختلف عليّ، قال :﴿ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ [ المؤمنون : ١٠١ ]، ﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ [ الصافات : ٢٧، الطور : ٢٥ ]، ﴿ وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثاً ﴾ [ النساء : ٤٢ ]، ﴿ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ [ الأنعام : ٢٣ ] فقد كتموا في هذه الآية، وقال تعالى :﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السمآء بَنَاهَا ﴾ [ النازعات : ٢٧ ] - إلى قوله - ﴿ والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ [ النازعات : ٣٠ ] فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض ثم قال : تعالى :﴿ قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ ﴾ إلى قوله ﴿ طَآئِعِينَ ﴾ فذكر في هذه خلق الأرض قبل خلق السماء، قال :﴿ وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [ النساء : ٩٦ ]، ﴿ عَزِيزاً حَكِيماً ﴾ [ النساء : ٥٦ ]، ﴿ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾ [ النساء : ٥٨ ] فكأنه كان ثم مضى، فقال ابن عباس رضي الله عنهما :﴿ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ [ المؤمنون : ١٠١ ] في النفخة الأولى، كما قال تعالى :﴿ فَصَعِقَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض إِلاَّ مَن شَآءَ الله ﴾ [ الزمر : ٦٨ ]، وفي النفخة الأخرى ﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ [ الصافات : ٢٧، الطور : ٢٥ ]. وأما قوله :﴿ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ [ الأنعام : ٢٣ ]، ﴿ وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثاً ﴾ [ النساء : ٤٢ ]، فإن الله تعالى يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم فيقول المشركون : تعالوا نقول : لم نكن مشركين، فيختم على أفواههم، فتنطق أيديهم، فعند ذلك يعرف أن الله تعالى لا يكتم حديثاً، وعنده ﴿ يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ ﴾ [ النساء : ٤٢، الحجر : ٢ ] الآية، وخلق الأرض في يومين، ثم خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين، ثم دحى الأرض، ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى وخلق الجبال والرمال والجماد والآكام وما بينهما في يومين آخرين، فذلك قوله تعالى :﴿ دَحَاهَا ﴾ وقوله :﴿ خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ ﴾ فخلق الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام وخلق السماوات في يومين،


الصفحة التالية
Icon