يقول تعالى منكراً على المشركين في عبادتهم غير الله بلا برهان ولا دليل ولا حجة ﴿ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ ﴾ أي من قبل شركهم، ﴿ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ﴾ أي ليس الأمر كذلك، كقوله عزّ وجلّ ﴿ أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ ﴾ [ الروم : ٣٥ ] أي لم يكن ذلك، ثم قال تعالى :﴿ بَلْ قالوا إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ ﴾ أي ليس لهم مستند فيما هم فيه من الشرك سوى تقليد الآباء والأجداد بأنهم كانوا على ﴿ أُمَّةٍ ﴾ والمراد بها الدين هاهنا، وفي قوله تبارك وتعالى :﴿ وَإِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ [ الأنبياء : ٩٢، المؤمنون : ٥٢ ]، وقولهم ﴿ وَإِنَّا على آثَارِهِم ﴾ أي وراءهم ﴿ مُّهْتَدُونَ ﴾ دعوى منهم بلا دليل. ثم بين جلّ وعلا أن مقالة هؤلاء قد سبقهم إليها أشباههم ونظراؤهم من الأمم السالفة المكذبة للرسل تشابهت قلوبهم فقالوا مثل مقالتهم ﴿ كَذَلِكَ مَآ أَتَى الذين مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ [ الذاريات : ٥٢ ] وهكذا قال هاهنا :﴿ وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ﴾. ثم قال عزّ وجلّ ﴿ قال ﴾ أي يا محمد لهؤلاء المشركين ﴿ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بأهدى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ قالوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾ أي ولو علموا ويتقنوا صحة ما جئتهم به لما انقادوا لذلك لسوء قصدهم ومكابرتهم للحق وأهله. قال الله تعالى ﴿ فانتقمنا مِنْهُمْ ﴾ أي من الأمم المكذبة بأنواع من العذاب كما فصله تبارك وتعالى في قصصهم ﴿ فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين ﴾ أي كيف بادوا وهلكوا، وكيف نجَّى الله المؤمنين.