يقول تعالى مخبراً عن عبده ورسوله وخليله إمام الحنفاء، ووالد الأنبياء، الذي تنتسب إليه قريش في نسبها ومذهبها، أنه تبرأ من أبيه وقومه في عبادتهم الأوثان فقال :﴿ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ الذي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ﴾ أي هذه الكلمة وهي ﴿ لاَ إله إِلاَّ الله ﴾ [ الصافات : ٣٥ ] أي جعلها دائمة في ذريته، يقتدى به فيها من هداه الله تعالى، من ذرية أبراهيم ﷺ ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ أي إليها، قال عكرمة ومجاهد ﴿ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ﴾ يعني لا إله إلا الله، لا يزال في ذريته من يقولها، وقال ابن زيد : كلمة الإسلام، وهو يرجع إلى ما قاله الجماعة، ثم قال جلّ وعلا :﴿ بَلْ مَتَّعْتُ هؤلاء ﴾ يعني المشركين ﴿ وَآبَآءَهُمْ ﴾ فتطاول عليهم العمر في ضلالهم ﴿ حتى جَآءَهُمُ الحق وَرَسُولٌ مُّبِينٌ ﴾ أي بَيَّنُ الرسالة والنذارة. ﴿ وَلَمَّا جَآءَهُمُ الحق قَالُواْ هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ ﴾ أي كابروه وعاندوه كفراً وحسداً وبغياً، ﴿ وَقَالُواْ ﴾ أي كالمعترضين على الذي أنزله تعالى وتقدس، ﴿ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ ﴾ أي هلاّ كان إنزال هذا القرآن على رجل عظيم كبير في أعينهم؟ ﴿ مِّنَ القريتين ﴾ يعنون مكّة والطائف، وقد ذكر غيرو احد من السلف أنهم أرادوا بذلك ( الوليد بن المغيرة ) و ( عروة بن مسعود الثقفي )، وعن مجاهد : يعنون عتبة بن ربيعة ) بمكّة و ( ابن عبد ياليل ) بالطائف، وقال السدي : عنوا بذلك ( الوليد بن المغيرة ) و ( كنانة بن عمرو الثقفي )، والظاهر أن مرادهم رجل كبير من أي البلدتين كان، قال تعالى رداً عليهم في هذا الاعتراض :﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ﴾ ؟ أي ليس الأمر مردوداً إليهم، بل إلى الله عزّ وجلّ والله أعلم حيث يجعل رسالاته، فإنه لا ينزلها إلا على أزكى الخلق قلباً ونفساً، وأشرفهم بيتاً، وأطهرهم أصلاً. ثم قال عزّ وجلّ مبيناً أنه قد فاوت بين خلقه، فما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم، وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة فقال :﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي الحياة الدنيا ﴾ الآية.
وقوله جلَّت عظمته :﴿ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً ﴾ أي ليسخّر بعضُهم بعضاً في الأعمال، لاحتياج هذا إلى هذا، ثم قال عزّ وجلّ :﴿ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ أي رحمة الله بخلقه، خير لهم مما بأيديهم من الأموال ومتاع الحياة الدنيا، ثم قال سبحانه وتعالى ﴿ وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ أي لولا أن يعتقد كثير من الناس الجهلة، إن إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطيناه، فيجتمعوا على الكفر لأجل المال ﴿ لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ ﴾ أي سلالم ودرجاً من فضة ﴿ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾ أي يصعدون ﴿ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً ﴾ أي أغلاقاً على أبوابهم ﴿ وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ﴾ أي جميع ذلك يكون فضة ﴿ وَزُخْرُفاً ﴾ أي وذهباً، قاله ابن عباس والسدي، ﴿ وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الحياة الدنيا ﴾ أي إنما ذلك من الدنيا الفانية، الزائلة الحقيرة عند الله تعالى، أي يجعل لهم بحسناتهم التي يعملونها في لدنيا مآكل ومشارب، ليوافوا الآخرة وليس لهم عنمد الله تبارك وتعالى حسنة يجزيهم بها.