يقول تعالى مخبراً عن فرعون وتمرده وعتوه، إنه جمع قومه فنادى فيهم متبجحاً مفتخراً بملك مصر وتصرفه فيها :﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأنهار تَجْرِي مِن تحتي ﴾ ؟ قال قتادة : قد كانت لهم جنات وأنهار ماء ﴿ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ﴾ ؟ أي أفلا ترون ما أنا فيه من العظمة والملك؟ يعني وموسى وأتباعه فقراء ضعفاء، وقوله :﴿ أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هذا الذي هُوَ مَهِينٌ ﴾ قال السدي : يقول : بل أنا خير من هذا الذي هو مهين، وهكذا قال بعض نحاة البصرة : إن ( أم ) هاهنا بمعنى ( بل ) يعني فرعون لعنه الله بذلك أنه خير من موسى ﷺ، وقد كذب في قوله هذا كذباً بيناً واضحاً، ويعني بقوله :﴿ مَهِينٌ ﴾ حقير، وقال قتادة يعني ضعيف، وقال ابن جرير : يعني لا ملك له ولا سلطان ولا مال، ﴿ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ ﴾ يعني لا يكاد يفصح عن كلامه فهو عييّ حصر، قال السدي : أي لا يكاد يُفّهم، وقال قتادة : عييّ اللسان، وقال سفيان : يعني في لسانه شيء من الجمرة حين وضعها في فمه وهو صغير، وهذا الذي قاله فرعون لعنه الله كذب واختلاق، وإنما حمله على هذا الكفر والعناد، فهو ينظر إلى موسى بعين كافرة شقية، وقد كان موسى عليه السلام من الجلالة والعظمة والبهاء، في صورة يبهر أبصار ذوي الألباب، وقوله :﴿ مَهِينٌ ﴾ كذب بل هو المهين الحقير، وموسى هو الشريف الصادق البار الراشد، وقوله :﴿ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ ﴾ افتراء أيضاً، فإنه وإن كان قد أصاب لسانه في حال صغره شيء من جهة تلك الجمرة، فقد سأل الله عزّ وجلّ أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله، وقد استجاب الله تبارك وتعالى له ذلك في قوله :﴿ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى ﴾ [ طه : ٣٦ ] وبتقدير أن يكون قد بقي شيء لم يسأل إزالته كما قاله الحسن البصري، وإنما سأل زوالما يحصل معه الإبلاغ والإفهام، وفرعون وإن كان يفهم وله عقل فهو يدري هذا، وإنما أراد التروج على رعيته فإنهم كانوا جهلة أغبياء، وهكذا قوله :﴿ فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ ﴾ وهي ما يجعل في الأيدي، من الحُليِّ ﴿ أَوْ جَآءَ مَعَهُ الملائكة مُقْتَرِنِينَ ﴾ أي يكتنفونه خدمة له، ويشهدون بتصديقه، نظر إلى الشك الظاهر، ولم يفهم السر المعنوي الذي هو أظهر مما نظر إليه لو كان يفهم، ولهذا قال تعالى :﴿ فاستخف قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ﴾ أي استخف عقولهم فدعاهم إلى الضلالة فاستجابوا له ﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾.
قال الله تعالى :﴿ فَلَمَّآ آسَفُونَا انتقمنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾، قال ابن عباس :﴿ أَجْمَعِينَ ﴾ أسخطونا، وعنه : أغضبونا، روى ابن أبي حاتم، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال :


الصفحة التالية
Icon