يقول تعالى : هل ينتظر هؤلاء المشركون المكذبون للرسل ﴿ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ أي فإنها كائنة لا محالة وواقعة، وهؤلاء غافلون عنها، فإذا جاءت إنما تجيء وهم لا يشعرون بها، فحينئذٍ يندمون كل الندم حيث لا ينفعهم ولا يدفع عنهم، وقوله تعالى :﴿ الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين ﴾ أي كل صداقة وصحابة لغير الله، فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان الله عزّ وجلّ، فإنه دائم بدوامه، وهذا كما قال إبراهيم ﷺ لقومه :﴿ إِنَّمَا اتخذتم مِّن دُونِ الله أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الحياة الدنيا ثُمَّ يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النار وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ﴾ [ العنكبوت : ٤٥ ] قال ابن عباس ومجاهد : صارت كل خلة عداوة يوم القيامة إلا المتقين. وروى الحافظ ابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« لو أن رجلين تحابا في الله أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب لجمع الله تعالى بينهما يوم القيامة، يقول هذا الذي أحبتته فيَّ » وقوله تبارك وتعالى :﴿ ياعباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾ ثم بشرهم فقال :﴿ الذين آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ ﴾ أي آمنت قلوبهم وبواطنهم، وانقادت لشرع الله جوارحهم وظواهرهم، قال المعتمر بن سليمان عن أبيه : إذا كان يوم القيامة فإن الناس حيث يبعثون لا يبقى أحد منهم إلا فزع فينادي منادٍ ﴿ ياعباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾ فيرجوها الناس كلهم، قال : فيتبعها :﴿ الذين آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ ﴾ قال : فييأس الناس منها غير المؤمنين ﴿ ادخلوا الجنة ﴾ أي يقال لهم : ادخلوا الجنة ﴿ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ ﴾ أي نظراؤكم ﴿ تُحْبَرُونَ ﴾ أي تتنعمون وتسعدون، وقد تقدم تفسيرها في سورة الروم. ﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ ﴾ أي زبادي آنية الطعام ﴿ وَأَكْوَابٍ ﴾ وهي آنية الشراب أي من ذهب لا خراطيم لها ولا عرى ﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس ﴾، وقرأ بعضهم تشتهي الأنفس :﴿ وَتَلَذُّ الأعين ﴾ أي طيب الطعم والريح وحسن المنظر، روى عبد الرزاق عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال :« إن أدنى أهل الجنة منزلة وأسفلهم درجة لرجل لا يدخل الجنة بعده أحد، يفسح له في بصره مسيرة مائة عام، في قصور من ذهب وخيام من لؤلؤ، ليس فيها موضع شبر إلا معمور، يغدى عليه ويراج بسبعين ألف صفحة من ذهب ليس فها صفحة إلا فيها لون ليس في الأخر مثلهن شهوته في آخرها كشهوته في أولها، لو نزل به جميع أهل الأرض لوسع عليهم مما أُعْطي، لا ينقص ذلك مما أوتي شيئاً ».


الصفحة التالية
Icon