يقول تعالى : لا يستوي المؤمنون والكافرون كما قال في آية أُخرى :﴿ لاَ يستوي أَصْحَابُ النار وَأَصْحَابُ الجنة أَصْحَابُ الجنة هُمُ الفآئزون ﴾ [ الحشر : ٢٠ ] وقال تبارك وتعالى :﴿ أَمْ حَسِبَ الذين اجترحوا السيئات ﴾ أي عملوها وكسبوها ﴿ أَن نَّجْعَلَهُمْ كالذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ﴾ ؟ أي نساويهم بها في الدنيا والآخرة ﴿ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ أي ساء ما ظنوا بنا وبعدلنا أن نساوي بين الأبرار والفجار، فكما لا يجتنى من الشوك العنب، كذلك لا ينال الفجار منازل الأبرار، ذكر محمد بن إسحاق أنهم وجدوا حجراً بمكة من أس الكعبة، مكتوب عليه « تعملون السيئات وترجون الحسنات، أجل كما يجنى من الشوك العنب ». وعن مسروق أن تميماً الداري قام ليلة حتى أصبح يردد هذه الآية :﴿ أَمْ حَسِبَ الذين اجترحوا السيئات أَن نَّجْعَلَهُمْ كالذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ﴾ ولهذا قال تعالى :﴿ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾، وقال عزّ وجلّ :﴿ وَخَلَقَ الله السماوات والأرض بالحق ﴾ أي بالعدل، ﴿ ولتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾، ثم قال جلّ وعلا :﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ ﴾ أي إنما يأتمر بهواه، فمهما رآه حسناً فعله، ومهما رآه قبيحاً تركه، لا يهوى شيئاً إلاّ عبده، وقوله :﴿ وَأَضَلَّهُ الله على عِلْمٍ ﴾ يحتمل قولين :( أحدهما ) : وأضله الله لعمله أنه يستحق ذلك، ( والآخر ) : وأضله الله بعد بلوغ العلم إليه وقيام الحجة عليه، والثاني يستلزم الأول ولا ينعكس ﴿ وَخَتَمَ على سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غِشَاوَةً ﴾ أي فلا يسمع ما ينفعه ولا يعي شيئاً يهتدي به، ولا يرى حجة يستضيء بها، ولهذا قال تعالى :﴿ فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ الله أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾ ؟ كقوله تعالى :﴿ مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٨٦ ].


الصفحة التالية
Icon