فهذه الطريق تدل على أنه ﷺ ذهب إلى الجن قصداً، فتلا عليهم القرآن ودعاهم إلى الله عزَّ وجلَّ، أما الجن الذين لقوه بنخلة فجن نينوى، وأما الجن الذين لقوه بمكة فجن نصيبين، وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي :« كان أبو هريرة رضي الله عنه يتبع رسول الله ﷺ بإداوة لوضوئه وحاجته، فأدركه يوماً فقال :» من هذا؟ «، قال : أنا أبو هريرة، قال ﷺ :» ائتني بأحجار أستنج بها ولا تأتني بعظم ولا روثة «، فأتيته بأحجار في ثوبي، فوضعتها إلى جنبه، حتى ذا فرغ وقام اتبعته، فقلت : يا رسول الله ما بال العظم والروثة؟ قال ﷺ :» أتاني وفد جن نصيبين فسألوني الزاد، فدعوت الله تعالى لهم أن لا يمروا بروثة ولا عظم، ألاّ وجدوه طعاماً «. وقال سفيان الثوري، عن ابن مسعود رضي الله عنه : كانوا تسعة أحدهم زوبعة، أتوه من أصل نخلة، وفي رواية أنهم كانوا على ستين راحلة، وقيل كانوا ثلثمائة، فلعل هذا الاختلاف دليل على تكرر وفادتهم عليه ﷺ. ومما يدل على ذلك ما قاله البخاري في » صحيحه «، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : ما سمعت عمر رضي الله عنه يقول لشيء قط إني لأظنه هكذا، إلاّ كان كما يظن، بينماعمر بن الخطاب رضي الله عنه جالس إذ مر به رجل جميل، فقال لقد أخطأ ظني، أوأن هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم، عليَّ بالرجل، فدعي له، فقال له ذلك، فقال : ما رأيت كاليوم أستقبل به رجل مسلم، قال : فإني أعزم عليك إلاّ ما أخبرتني، قال : كنت كاهنهم في الجاهلية، قال فما أعجب ما جاءتك به جنيتك؟ قال بينما أنا يوماً في السوق جائتني أعرف فيها الفزع، فقالت :
ولحوقها بالقلاص وأحلاسها... قال عمر رضي الله عنه : صدق، » بينما أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل، فذبحه، فصرخ به صارخ لم أسمع صارخاً قط أشد صوتاً منه، يقول : يا جليح، أمر نجيح رجل فصيح يقول : لا إله إلاّ الله، قتال : فوثب القوم فقلت : لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى : يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول : لا إله إلاّ الله، فقمت فما نشبنا أن قيل : هذا نبي «.
ألم تر الجن وإبلاسها ويأسها من بعد إنكاسها
الصفحة التالية