يقول تعالى مرشداً للمؤمنين إلى ما يعتمدونه في حروبهم مع المشركين :﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ فَضَرْبَ الرقاب ﴾ أي إذا واجهتموهم فاحصدوهم حصداً بالسيوف، ﴿ حتى إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ ﴾ أي أهلكتموهم قتلاً، ﴿ فَشُدُّواْ الوثاق ﴾ الأسارى الذين تأسرونهم، ثم أنتم بعد انقضاء الحرب وانفصال المعركة مخيرون في أمرهم، إن شئتم مننتم عليهم فأطلقتم أساراهم مجاناً، وإن شئتم فاديتموهم بمال تأخذونه منهم، والظاهر أن هذه الآية نزل بعد وقعة بدر، فإن الله سبحانه وتعالى عاتب المؤمنين على الاستكثار من الأسارى يومئذٍ ليأخذوا منهم الفداء فقال :﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى حتى يُثْخِنَ فِي الأرض ﴾ [ الأنفال : ٦٧ ]، ثم قد ادعى بعض العلماء أن الآية منسوخة بقوله تعالى :﴿ فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ﴾ [ التوبة : ٥ ] الآية، روي عن ابن عباس والضحاك والسدي. وقال الأكثرون : ليست بمنسوخة، والإمام مخير بين المن على الأسير ومفادته، وله أن يقتله إن شاء لحديث قتل النبي ﷺ ( النضر بن الحارث ) و ( عقبة بن أبي معيط ) من أسارى بدر، وقال الشافعي رحمه الله : الإمام مخيَّر بين قتله أو المن عليه أو مفاداته أو استرقاقه، وقوله عزَّ جلَّ :﴿ حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا ﴾ قال مجاهد : حتى ينزل عيسى ابن مريم ﷺ، وكأنه أخذه من قوله ﷺ :« لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتل آخرهم الدجال » وهذا يقوي القول بعد النسخ، كأنه شرع هذا الحكم في الحرب إلى أن لا يبقى حرب، وقال قتادة ﴿ حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا ﴾ حتى لا يبقى شرك، وهذا كقوله تعالى :﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدين للَّهِ ﴾ [ البقرة : ١٩٣ ] ثم قال بعضهم : حتى تضع الحرب أوزارها أي أوزار المحاربين وهم المشركون بأن يتوبوا إلى الله عزَّ وجلَّ، وقيل : أوزار أهلها بأن يبذلوا الوسع في طاعة الله تعالى، قوله عزّ وجل :﴿ ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ ﴾ أي هذا ولو شاء الله لانتقم من الكافرين بعقوبة ونكال من عنده ﴿ ولكن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ أي ولكن شرع لكم الجهاد وقتال الأعداء، ليختبركم ويبلوا أخباركم، كما ذكر حكمته في شرعية الجهاد في قوله تعالى :﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصابرين ﴾ [ آل عمران : ١٤٢ ].
وقال تعالى :﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ﴾ [ التوبة : ١٤ ]، ثم لما كان من شأن القتال أن يقتل كثير من المؤمنين قال :﴿ والذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ أي لن يذهبها بكل يكثرها وينميها ويضاعفها، ومنهم من يجري عليه عمله طوله برزقه، كما ورد بذلك الحديث عن المقدام بن معد يكرب الكِنْدي رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ :