يقول تعالى :﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ ﴾ يعني المشركين بالله المكذبين لرسوله ﴿ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ ﴾ أي عاقبهم بتكذيبهم وكفرهم أي ونجَّى المؤمنين من بين أظهرهم، ولهذا قال تعالى :﴿ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ﴾ ثم قال :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ الله مَوْلَى الذين آمَنُواْ وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ ﴾، ولهذا « لما قال أبو سفيان رئيس المشركين يوم أُحُد : اعلُ هُبَل، اعلُ هُبَل، فقال رسول الله ﷺ :» ألا تجيبوه؟ « فقالوا : يا رسول الله وما نقول؟ قال ﷺ قولوا :» الله أعلى وأجل «، ثم قال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم، فقال ﷺ :» ألا تجيبوه؟ «، قالوا : وما نقول يا رسول الله؟ قال : قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم »، ثم قال سبحانه وتعالى :﴿ إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ أي يوم القيامة ﴿ والذين كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام ﴾ أي في دنياهم يتمتعون بها ويأكلون منها كأكل الأنعام، خضماً وقضماً ليس لهم همة إلاّ في ذلك، ولهذا ثبت في الصحيح :« المؤمن يأكل في مِعَى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء »، ثم قال تعالى :﴿ والنار مَثْوًى لَّهُمْ ﴾ أي يوم جزائهم، وقوله عزّ وجلّ :﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ ﴾ يعني مكة ﴿ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ ﴾، وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لأهل مكة، في تكذيبهم لرسول الله ﷺ وهو سيد الرسل وخاتم الأنبياء، فإذا كان الله عزَّ وجلَّ قد أهلك الذين كذبوا الرسل قبله، فما ظن هؤلاء أن يفعل الله بهم في الدنيا والأُخرى؟ وقوله تعالى :﴿ مِّن قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ ﴾ أي الذين أخرجوك من بين أظهرهم، روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ لما خرج من مكة إلى الغار وأتاه، فالتفت إلى مكة، وقال :« أنت أحب بلاد الله إلى الله، وأنت أحب بلاد الله إليّ، ولولا أن المشركين أخرجوني لم أخرج منك » فأعدى الأعداء من عدا على الله تعالى في حرمه، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذُحول الجاهلية، فأنزل الله تعالى على نبيَّه ﷺ :﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ ﴾.


الصفحة التالية
Icon