يقول تعالى آمراً بتدبر القرآن وتفهمه، وناهياً عن الإعراض عنه فقال :﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ ﴾ أي بل على قلوب أقفالها، فهي مطبقة لا يخلص إليها شيء من معانيه، ثم قال تعالى :﴿ إِنَّ الذين ارتدوا على أَدْبَارِهِمْ ﴾ أي فارقوا الإيمان ورجعوا إلى الكفر ﴿ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى الشيطان سَوَّلَ لَهُمْ ﴾ أي زين لهم ذلك وحسَّنه ﴿ وأملى لَهُمْ ﴾ أي غرهم وخدعهم، ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ الله سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمر ﴾ أي مالأوهم وناصحوهم على الباطل، وهذا شأن المنافقين يظهرون خلاف ما يبطنون، ولهذا قال الله عزّ وجلّ :﴿ والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ﴾ أي ما يسرون وما يخفون، الله مطلع عليه، عالم به، كقوله تبارك وتعالى :﴿ والله يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ﴾ [ النساء : ٨١ ]، ثم قال تعالى :﴿ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾ أي كيف حالهم إذا جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم، وتعاصت الأرواح في أجسادهم، واستخراجها الملائكة بالعنف والقهر والضرب. كما قال سبحانه وتعالى :﴿ وَلَوْ ترى إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾ [ الأنفال : ٥٠ ] الآية، وقال تعالى :﴿ وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون فِي غَمَرَاتِ الموت والملائكة باسطوا أَيْدِيهِمْ ﴾ [ الأنعام : ٩٣ ] أي بالضرب ﴿ أخرجوا أَنْفُسَكُمُ اليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهون بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى الله غَيْرَ الحق وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [ الأنعام : ٩٣ ]، ولهذا قال هاهنا :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتبعوا مَآ أَسْخَطَ الله وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾.


الصفحة التالية
Icon