[ الفتح : ٥ ]. وروى الإمام أحمد عن المغيرة بن شعبة قال :« كان النبي ﷺ يصلي حتى تورمت قدماه، فقيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال ﷺ :» أفلا أكون عبداً شكوراً؟ « »، وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت :« كان رسول الله ﷺ إذا صلى قام حتى تتفطر رجلاه، فقالت له عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال ﷺ :» يا عائشة أفلا أكون عبداً شكوراً « ».
فقوله تعالى :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾ أي بيناً ظاهراً، والمراد ( صلح الحديبية ) فإنه حصل بسببه خير جزيل، وآمن الناس واجتمع بعضهم ببعض، وتكلم المؤمن مع الكافر، وانتشر العلم النافع والإيمان، وقوله تعالى :﴿ لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ هذا من خصائصه صلى الله عليه سلم التي لا يشاركه فيها غيره، وليس في حديث صحيح في ثواب الأعمال لغيره غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله ﷺ، وهو ﷺ في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم ينلها بشر سواه، لا من الأولين ولا من الآخرين، وهو ﷺ أكمل البشر على الإطلاق، وسيدهم في الدنيا والآخرة، ولما كان أطوع خلق الله تعالى وأشدهم تعظيماً لأوامره ونواهيه قال حين بركت به الناقة، حبسها حابس الفيل، ثم قال ﷺ :« والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم شيئاً يعظمون به حرمات الله إلاّ أجبتهم إليها » فلما أطاع الله في ذلك وأجاب إلى الصلح قال الله تعالى له :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ﴾ أي في الدنيا والآخرة، ﴿ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً ﴾ أي بما يشرعه لك من الشرع العظيم والدين القويم، ﴿ وَيَنصُرَكَ الله نَصْراً عَزِيزاً ﴾ أي بسبب خضوعك لأمر الله عزَّ وجلَّ يرفعك الله وينصرك على أعدائك، كما جاء في الحديث الصحيح :« وما زاد الله عبداً بعفو إلاّ عزاً وما تواضع أحد لله عزَّ وجلَّ إلاّ رفعه الله تعالى »، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : ما عاقبت أحداً عصى الله تعالى فيك بمثل أن تطيع الله تبارك وتعالى فيه.