يقول تعالى لنبيه محمد ﷺ :﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ﴾ أي على الخلق، ﴿ وَمُبَشِّراً ﴾ أي للمؤمنين، ﴿ وَنَذِيراً ﴾ أي الكافرين، ﴿ لِّتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ ﴾ قال ابن عباس وغير واحد : تعظموه، ﴿ وَتُوَقِّرُوهُ ﴾ من التوقير، وهو الاحترام والإجلال والإعظام، ﴿ وَتُسَبِّحُوهُ ﴾ أي تسبحون الله، ﴿ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ أي أول النهار وآخره، ثم قال عزَّ وجلَّ لرسوله تشريفاً له وتعظيماً وتكريماً :﴿ إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله ﴾، كقوله جلَّ وعلا :﴿ مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله ﴾ [ النساء : ٨٠ ]، ﴿ يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾ أي هو حاضر معهم، يسمع أقوالهم ويرى مكانهم، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، فهو تعالى المبايع بواسطة رسوله، كقوله تعالى :﴿ إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجنة يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ﴾ [ التوبة : ١١١ ]، وقال رسول الله ﷺ :« من سل سيفه في سبيل الله فقد بايع الله »، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله ﷺ في الحجر :« والله ليبعثنه الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة له عينان ينظر بهما ولسان ينطق به ويشهد على من استلمه بالحق، فمن استلمه فقد بايع الله تعالى » ثم قرأ رسول الله ﷺ :﴿ إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾، ولهذا قال تعالى ههنا :﴿ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ ﴾ أي إنما يعود وبال ذلك على الناكث، والله غني عنه ﴿ وَمَنْ أوفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ﴾ أي ثواباً جزيلاً، وهذه البيعة هي ( بيعة الرضوان ) وكانت تحت شجرة سمرة بالحديبية، وكان الصحابة رضي الله عنهم الذين بايعوا رسول الله ﷺ يومئذٍ ألفاً وأربعمائة، روى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه قال : كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة، ووضع يده في ذلك الماء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، حتى روو كلهم، وفي رواية في « الصحيحين » عن جابر رضي الله عنه : أنهم كانوا خمس عشرة مائة.
« ذكر سبب هذه البيعة العظيمة »
قال محمد بن إسحاق في « السيرة » : ثم دعا رسول الله ﷺ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليبعثه إلى مكة، ليبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له، فقال : يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي، وليس بمكة من بني عدي بن كعب من يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظي عليها، ولكن أدلك على رجل أعز بها مني، عثمان بن عفان رضي الله عنه نبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش، يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وأنه إنما جاء زائراً لهذا البيت ومعظماً لحرمته، فخرج عثمان رضي الله عنه إلى مكة، فلقيه أبان بن سعيد حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها، فحمله بين يديه، ثم أجاره، حتى بلَّغ رسالة رسول الله ﷺ، فانطلق عثمان رضي الله عنه حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش، وفبلغهم عن رسول الله ﷺ ما أرسله به، فقالوا لعثمان رضي الله عنه حين فرغ من رسالة رسول الله ﷺ إليهم : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، فقال : ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله ﷺ، واحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله ﷺ والمسلمين أن عثمان رضي الله عنه قد قتل.