وروى ابن جرير، « عن أُم سلمة رضي الله عنها قالت : بعث رسول الله ﷺ رجلاً في صدقات بني المصطلق بعد الوقيعة، فسمع بذلك القوم، فتلقوه يعظمون أمر رسول الله ﷺ قالت : فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله، قالت : فرجع إلى رسول الله ﷺ فقال : إن بني المصطلق قد منعوني صدقاتهم، فغضب رسول الله ﷺ والمسلمون، قالت : فبلغ القوم رجوعه، فأتوا رسول الله ﷺ، فصفوا له حين صلى الظهر، فقالوا : نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله، بعثت إليها رجلاً مصدقاً، فسررنا بذلك، وقرت به أعيننا، ثم إنه رجع من بعض الطريق، فخشينا أن يكون ذلك غضباً من الله تعالى ومن رسوله ﷺ، فلم يزالوا يكلمونه، حتى جاء بلال رضي الله عنه، فأذن بصلاة العصر، قالت : ونزلت :﴿ ياأيها الذين آمنوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فتبينوا أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ على مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ »
وقال مجاهد وقتادة : أرسل رسول الله ﷺ ( الوليد بن عقبة ) إلى بني المصطلق ليصدقهم، فتلقوه بالصدقة فرجع، فقال : إن بني المصطلق قد جمعت لك لتقاتلك، زاد قتادة : وإنهم قد ارتدوا عن الإسلام، فبعث رسول الله ﷺ خالد بن الوليد رضي الله عنه إليهم، وأمره أن يتثبت ولا يعجل، فانطلق حتى أتاهم ليلاً : فبعث عيونه، فلما جاءوا أخبروا خالداً رضي الله عنه أنهم مستمسكون بالإسلام، وسمعوا أذانهم وصلاتهم، فملا أصبحوا أتاهم خالد رضي الله عنه فرأى الذي يعجبه، فرجع إلى رسول الله ﷺ فأخبره الخبر، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وكذا ذكر غير واحد من السلف : أنها نزلت في ( الوليد بن عقبة )، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ واعلموا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ الله ﴾ أي اعلموا أن بين أظهركم رسول الله، فعظّموه ووقّروه، وتأدّبوا معه وانقادوا لأمره، فإنه أعلم بمصالحكم وأشفق عليكم منكم، ورأيه فيكم أتم من رأيكم لأنفسكم، ﴿ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأمر لَعَنِتُّمْ ﴾ أي لو أطاعكم في جميع ما تختارونه لأدى ذلك إلى عنتكم وحرجكم، كما قال سبحانه :﴿ وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السماوات والأرض وَمَن فِيهِنَّ ﴾ [ المؤمنون : ٧١ ]، وقوله عزّ وجلّ :﴿ ولكن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ أي حببه إلى نفوسكم، وحسّنه في قلوبكم، عن أنَس رضي الله عنه قال :« كان رسول الله ﷺ يقول :» الإسلام علانية الإيمان في القلب «، ثم يشير بيده إلى صدره ثلاث مرات ثم يقول :» التقوى هاهنا، التقوى هاهنا «


الصفحة التالية
Icon