يقول تعالى آمراً بالإصلاح بين الفئتين الباغيتين بعضهم على بعض :﴿ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا ﴾ فسماهم مؤمنين مع الاقتتال، وبهذا استدل البخاري وغيره، على أنه لا يخرج عن الإيمان بالمعصية وإن عظمت، لا كما يقوله الخوارج والمعتزلة، وهكذا ثبت أن رسول الله ﷺ خطب يوماً ومعه على المنبر الحسن بن علي رضي الله عنهما، فجعل ينظر إليه مرة، وإلى الناس أُخرى ويقول :« إن ابني هذا سيد ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين » فكان كما قال ﷺ، أصلح الله تعالى به بين أهل الشام وأهل العراق، بعد الحروب الطويلة والواقعات المهولة، وقوله تعالى :﴿ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الأخرى فَقَاتِلُواْ التي تَبْغِي حتى تفياء إلى أَمْرِ الله ﴾ أي حتى ترجع إلى أمر الله ورسوله، وتسمع الحق وتطيعه، كما ثبت في الصحيح :« » انصر أخاط ظالماً أو مظلوماً « قيل : يا رسول الله أنصره مظلوماً فكيف أنصره ظالماً؟ قال ﷺ :» تمنعه من الظلم فذاك نصرك أياه « ».
وروى الإمام أحمد، عن أنَس رضي الله عنه قال :« قيل للنبي ﷺ : لو أتيت عبد الله بن أُبي، فانطلق إليه النبي ﷺ، وركب حماراً، وانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة فلما انطلق النبي ﷺ إليه قال : إليك عني فوالله لقد آذاني ريح حمارك، فقال رجل من الأنصار : والله لحمار رسول الله ﷺ أطيب ريحاً منك، قال : فغضب لعبد الله رجال من قومه، فغضب لكل واحد منهما أصحابه، قال : فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنه أنزلت فيه :﴿ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا ﴾ » وذكر سعيد بن جبير أن الأوس والخزرج كان بينهما قتال بالسعف والنعال، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فأمر بالصلح بينهما، وقال السدي : كان رجل من الأنصار يقال له عمران، كانت له امرأة تدعى أم زيد، وإن المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها، وجعلها في علية له، لا يدخل عليها أحد من أهلها، وإن المرأة بعثت إلى أهلها فجاء قومها وأنزلوها، لينطلقوا بها، وإن الرجل كان قد خرج، فاستعان أهل الرجل، فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها فتدافعوا واجتلدوا بالنعال، فنزلت فيهم هذه الآية، فبعث إليهم رسول الله ﷺ، وأصلح بينهم وفاءوا إلى أمر الله تعالى. وقوله عزَّ وجلَّ :﴿ فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بالعدل وأقسطوا إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين ﴾ أي اعدلوا بينهما بالقسط وهو العدل ﴿ إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين ﴾ روى ابن أبي حاتم، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال :


الصفحة التالية
Icon