وقوله تعالى :﴿ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً ﴾ فيه نهي عن الغيبة، وقد فسّرها الشاعر كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود، عن أبي هريرة، قال :« قيل : يا رسول الله ما الغيبة؟ قال ﷺ :» ذكرك أخاك بما يكره « قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال ﷺ :» إن كان فيه ما تقول فقد أغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتّه « » وعن عائشة رضي الله عنها قالت :« قلت للنبي ﷺ : حسبك من صفية كذا وكذا، تعني قصيرة، فقال ﷺ :» لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته «. قالت : وحكيت له إنساناً، فقال ﷺ :» ما أحب أني حكيت إنساناً، وإن لي كذا وكذا « ». والغيبة محرمة بالإجماع، ولا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته، كما في الجرح والتعديل والنصيحة، « كقوله ﷺ، لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر :» ائذنوا له بئس أخو العشيرة « »، وكقوله ﷺ لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها وقد خطبها معاوية وأبو جهم :« أما معاوية فصعلوك وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه »، وكذا ما جرى مجرى ذلك، ثم بقيتها على التحريم الشديد، وقد ورد فيها الزجر الأكيد ولهذا شبهها تبارك وتعالى بأكل اللحم من الإنسان الميت كما قال عزّ وجلّ :﴿ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ أي كما تكرهون هذا طبعاً فاكرهوا ذلك شرعاً، فإن عقوبته أشد من هذا، وهذا من التنفير عنها والتحذير منها، وثبت في الصحاح والحسان والمساندي من غير وجه أنه ﷺ قال في خطبة حجة الوداع :« إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا ».
وروى أبو داود، عن أبي هريرة قال :« قال رسول الله ﷺ : كل المسلم على المسلم حرام، ماله، وعرضه، ودمة، حسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم » وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال :« خطبنا رسول الله ﷺ حتى أسمع العواتق في بيوتها، أو قال : في خدورها، فقال :» يا معشر من آمن بلسانه لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورة أخيه يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته « ».
طريق أُخرى : عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال :« يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تغتابوا المسليمن، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورات المسلمين يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله »


الصفحة التالية
Icon