وروى مسلم في « صحيحه » عن ابن عباس أنه قال :« رأى محد ربه بفؤاده مرتين » فجعل هذه إحداهما، وجاء في حديث الإسراء :« ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى » ولهذا قد تكلم كثير من الناس في متن هذه الرواية، فإن صح فهو محمول على وقت آخر وقصة أُخْرَى، لا أنها تفسير لهذه الآية، فإن هذه كانت ورسول الله ﷺ في الأرض لا ليلة الإسراء، ولهذا قال بعده :﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى * عِندَ سِدْرَةِ المنتهى ﴾ فهذه هي ليلة الإسراء والأولى كانت في الأرض، وقال ابن جرير، قال عبد الله بن مسعود في هذه الآية :﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى ﴾ قال : قال رسول الله ﷺ :« رأيت جبريل له ستمائة جناح » وروى البخاري، عن الشيباني قال : سألت زراً عن قوله :﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى * فأوحى إلى عَبْدِهِ مَآ أوحى ﴾ قال : حدثنا عبد الله أن محمداً ﷺ رأى جبريل له ستمائة جناح. فعلى ما ذكرناه يكون قوله :﴿ فأوحى إلى عَبْدِهِ مَآ أوحى ﴾ معناه فأوحى جبريل إلى عبد الله محمد ما أوحى، أو فأوحى الله إلى عبده محمد ما أوحى بواسطة جبريل؛ وكلا المعنيين صحيح، وقوله تعلى :﴿ مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى * أَفَتُمَارُونَهُ على مَا يرى ﴾ قال مسلم، عن أبي العالية، عن ابن عباس ﴿ مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى ﴾، ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى ﴾ قال : رآه بفؤاده مرتين، وقد خالفه ابن مسعود وغيره، ومن روى عنه بالبصر فقد أغرب، وقول البغوي في « تفسيره » : وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه وهو قول أنَس والحسن وعكرمة فيه نظر، والله أعلم.
وروى الترمذي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال : رأى محمد ربه، قلت : أليس الله يقول :﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار ﴾ [ الأنعام : ١٠٣ ] قال : ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره، وقد رأى ربه مرتين. وقال أيضاً : لقي ابن عباس كعباً بعرفة فسأله عن شيء فكبّر حتى جاوبته الجبال، فقال ابن عباس : إنا بنو هاشم، فقال كعب : إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى، فكلم موسى مرتين، ورآه محمد مرتين، وقال مسروق : دخلت على عائشة فقلت : هل رأى محمد ربه؟ فقالت : لقد تكلمت بشيء وقف له شعري، فقلت : رويداً، ثم قرأت :﴿ لَقَدْ رأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكبرى ﴾، فقالت : أين يذهب بك؟ إنما هو جبريل، من أخبرك أن محمداً رأى ربه، أو كتم شيئاً مما أمر به، أو يعلم الخمس التي قال الله تعالى :