يقول تعالى :﴿ فَإِذَا انشقت السمآء ﴾ يوم القيامة كما دلت عليه الآيات الواردة في معناها، كقوله تعالى :﴿ وانشقت السمآء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ﴾ [ الحاقة : ١٦ ]، وقوله :﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السمآء بالغمام وَنُزِّلَ الملائكة تَنزِيلاً ﴾ [ الفرقان : ٢٥ ]، وقوله :﴿ إِذَا السمآء انشقت * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ﴾ [ الإنشقاق : ١-٢ ]، وقوله تعالى :﴿ فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان ﴾ أي تذوب كما يذوب الدُّرْدِي والفضة في السبك، وتتلون كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها، فتارة حمراء وصفراء وزرقاء وخضراء، وذلك من شدة الأمر وهول يوم القيامة العظيم. عن انَس بن مالك قال، قال رسول الله ﷺ :« يبعث الناس يوم القيامة والسماء تطش عليهم » قال الجوهري : الطش المطر الضعيف، وقال ابن عباس :﴿ وَرْدَةً كالدهان ﴾ كالأديم الأحمر. وعنه كالفرس الورد، وقال أبو صالح : كالبرذون الورد، ثم كانت بعد كالدهان، وقال الحسن البصري : تكون ألواناً، وقال السدي : تكون كلون البغلة الوردة، وتكون كالمهل كدردي الزيت، وقال مجاهد :﴿ كالدهان ﴾ كألوان الدها، وقال عطاء الخراساني : كلون دهون الورد في الصفرة، وقال قتادة : هي اليوم خضراء ويومئذٍِ لونها إلى الحمرة يوم ذي ألوان، وقال أبو الجوزاء، في صفاء الدهن، وقال بان جريج : تصير السماء كالدهان الذائب، وذلك حين يصيبها حر جهنم، وقوله تعالى :﴿ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ ﴾، وهذه كقوله تعالى :﴿ هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ * وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ [ المرسلات : ٣٥-٣٦ ] فهذا في حال، و « ثَمَّ » في حال، يسأل الخلائق عن جميع أعمالهم، قال الله تعالى :﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [ الحجر : ٩٢-٩٣ ]، ولهذا قال قتادة ﴿ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ ﴾، قال : قد كانت مسألة ثم ختم على أفواه القوم، وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، قال ابن عباس : لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يقول : لو عملتم كذا وكذا، فهذا قول ثان، وقال مجاهد في هذه الاية : لا تسأل الملائكة عن المجرمين بل يعرفون بسيماهم، وهذا قول ثالث، وكأن هذا بعد ما يؤمر بهم إلى النار فذلك الوقت لا يسألون عن ذنبوهم، بل يقادون إليها ويلقون إليها ويلقون فيها كما قال تعالى :﴿ يُعْرَفُ المجرمون بِسِيمَاهُمْ ﴾ أي بعلامات تظهر عليهم، وقال الحسن وقتادة : يعرفون باسوداد الوجوه، وزرقة العيون، ( قلت ) : وهذا كما يعرف المؤمنون بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء.
وقوله تعالى :﴿ فَيُؤْخَذُ بالنواصي والأقدام ﴾ أي يجمع الزبانية ناصيته مع قدميه ويلقونه في النار كذلك، وقال ابن عباس : يؤخذ بناصيته وقدميه فيكسر كما يكسر الحطب في التنور، وقال الضحّاك : يجمع بين ناصيته وقديمه في سلسلة من وراء ظهره، وقال السدي : يجمع بين ناصية الكافر وقدميه فتربط ناصيته بقدمه ويفتل ظهره وقوله تعالى :﴿ هذه جَهَنَّمُ التي يُكَذِّبُ بِهَا المجرمون ﴾ أي هذه النار التي كنتم تكذبون بوجودها، هل هي حاضرة تشاهدونها عياناً، يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً وتحقيراً، وقوله تعالى :﴿ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ﴾ أي تارة يعذبون في الجحيم، وتارة يسقون من الحميم، وهو الشراب الذي هو كالنحاس المذاب يقطع الأمعاء والأحشاء، وهذه كقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon