﴿ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطرف ﴾ [ الرحمن : ٥٦ ] ولا شك أن التي قد صرت طرفها بنفسها أفضل ممن قُصِرت وإن كان الجميع مخدرات، قال ابن أبي حاتم، عن عبد الله بن مسعود قال : إن لكل مسلم خيرة ولكل خيرة خيمة، ولكل خيمة أربعة أبواب، تدخل عليه كل يوم تحفة وكرامة وهدية، لم تكن قبل ذلك لا مرحات ولا طمحات، ولا بخرات، ولا زفرات، حور عين كأنها بيض مكنون.
وقوله تعالى :﴿ فِي الخيام ﴾ قال البخاري، عن عبد الله بن قيس أن رسول الله ﷺ قال :« إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلاً في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمنون »، ورواه مسلم بلفظ :« إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً للمؤمن فيها أهل يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً » وقال ابن أبي حاتم، عن أبي الدرداء قال : لؤلؤة واحدة فيها سبعون باباً من در. وعن ابن عباس في قوله تعالى :﴿ حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخيام ﴾ قال : خيام اللؤلؤ، وفي الجنة خيمة واحدة من لؤلؤة واحدة أربع فراسخ في أربع فراسخ عليها أربعة آلاف مصراع من ذهب، وقال عبد الله بن وهب، عن أبي سعيد عن النبي ﷺ قال :« أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية وصنعاء » وقوله تعالى :﴿ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ ﴾ قد تقدم مثله سواء إلا أنه زاد في صوف الأوائل بقوله :﴿ كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [ الرحمن : ٥٨-٥٩ ]، وقوله تعالى :﴿ مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ﴾ قال ابن عباس : الرفرف المحابس، وكذا قال مجاهد وعكرمة هي المجالس، وقال عاصم الجحدري :﴿ مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ ﴾ يعني الوسائد وهو قول الحسن البصري، وقال سعيد بن جبير : الرفرف رياض الجنة، وقوله تعالى :﴿ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ﴾ قال ابن عباس والسدي : العبقري الزرابي، وقال سعيد بن جبير : هي عتاق الزرابي يعني جيادها، وقال مجاهد : العبقري الديباج.
وسئل الحسن البصري عن قوله تعالى :﴿ حِسَانٍ ﴾ فقال : هي بسط أهل الجنة لا أباً لكم فاطلبوها، وقال أبو العالية : العبقري الطنافس المحملة إلى الرقة ما هي، وقال القيسي : كل ثوب موشّى عند العرب عبقري، وعلى كل تقدير فصفة مرافق أهل الجنتين الأوليين أرفع وأعلى من هذه الصفة، فإنه قد قال هناك :﴿ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ﴾ [ الرحمن : ٥٤ ]، فنعت بطائن فرشهم وسكت عن ظهائرها اكتفاء بما مدح به البطائن وتمام الخاتمة أنه قال بعد الصفات المتقدمة :﴿ هَلْ جَزَآءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان ﴾ [ الرحمن : ٦٠ ] فوصف أهلها بالإحسان وهو أعلى المراتب والنهايات كما في حديث جبريل لما سأل عن الإسلام، ثم الإيمان، ثم الإحسان، فهذه وجوه عديدة في تفضيل الجنتين الأوليين على هاتين الأخيرتين، ونسأل الله الكريم الوهاب أن يجعلنا من أهل الأوليين.


الصفحة التالية
Icon