﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات بِإِذُنِ الله ﴾ [ فاطر : ٣٢ ] الآية. وذلك على أحد القولين في الظالم لنفسه كما تقدم بيانه، قال ابن عباس ﴿ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً ﴾ قال : هي التي في سورة الملائكة ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [ فاطر : ٣٢ ] الآية. وقال يزيد الرقاشي : سألت ابن عباس عن قوله :﴿ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً ﴾ قال أصنافاً ثلاثة، وقال مجاهد :﴿ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً ﴾ يعني فرقاً ثلاثة، وقال ميمون بن مهران : أفواجاً ثلاثة، اثنان في الجنة وواحد في النار، قال مجاهد :﴿ والسابقون السابقون ﴾ هم الأنبياء عليهم السلام، وقال السدي : هم أهل عليين، وقال ابن سيرين ﴿ والسابقون السابقون ﴾ الذي صلوا إلى القبلتين، وقال الحسن وقتادة :﴿ والسابقون السابقون ﴾ أي من كل أمة، وقال الأوزاعي عن عثمان بن أبي سودة، أنه قرأ هذه الآية ﴿ والسابقون السابقون * أولئك المقربون ﴾ ثم قال : أولهم رواحاً إلى المسجد، وأولهم خروجاً في سبيل الله، وهذه الأقوال كلها صحيحة، فإن المراد بالسابقين هم المبادرون إلى فعل الخيرات، كما أمروا، كما قال تعالى :﴿ وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السماوات والأرض ﴾ [ آل عمران : ١٣٣ ]، وقال تعالى :﴿ سابقوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السمآء والأرض ﴾ [ الحديد : ٢١ ]، فمن سابق في هذه الدنيا وسبق إلى الخير كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة، فإن الجزاء من جنس العمل وكما تدين تُدان، ولهذا قال تعالى :﴿ أولئك المقربون * فِي جَنَّاتِ النعيم ﴾، وقال ابن أبي حاتم، قالت الملائكة : يا رب جعلت لبني آدم الدنيا فهم يأكلون ويشربون ويتزوجون، فاجعل لنا الآخرة، فقال لا أفعل، فراجوا ثلاثاً، فقال : لا أجعل من خلقت بيدي، كمن قلت له كن فكان؛ ثم قرأ عبد الله :﴿ والسابقون السابقون * أولئك المقربون * فِي جَنَّاتِ النعيم ﴾.