يقول تعالى مخبراً عن هؤلاء السابقين المقربين أنهم ﴿ ثُلَّةٌ ﴾ أي جماعة ن الأولين، وقليل من الآخرين : وقد اختلفوا في المراد بقوله الأولين والآخرين فقيل : المراد بالأولين الأمم الماضية، وبالآخرين هذه الأمة، وهو اختيار ابن جرير، واستأنس بقوله ﷺ :« نحن الآخرون السابقون يوم القيامة »، ولم يحك غيره، ومما يستأنس به لهذا القول ما رواه ابن أبي حاتم، عن أبي هريرة قال :« لما نزلت ﴿ ثُلَّةٌ مِّنَ الأولين * وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخرين ﴾ شقّ ذلك على أصحاب النبي ﷺ فنزلت :﴿ ثُلَّةٌ مِّنَ الأولين * وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخرين ﴾ [ الواقعة : ٣٩-٤٠ ] فقال النبي ﷺ :» إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، ثلث أهل الجنة، بل نصف أهل الجنة أو شطر أهل الجنة وتقاسموهم النصف الثاني « » وهذا الذي اختاره ابن جرير فيه نظر بل هو قول ضعيف، لأن هذه الأمة هي خير الأمم بنص القرآن، فيبعد أن يكون المقربون في غيرها أكثر منها، اللهم إلا أن يقابل مجموع الأمم بهذه الأمة، والظاهر أن المقربين من هؤلاء أكثر من سائر الأمم والله أعلم، فالقول الثاني في هذا المقام هو الراجح، وهو أن يكون المراد بقوله تعالى :﴿ ثُلَّةٌ مِّنَ الأولين ﴾ أي من صدر هذه الأمة، ﴿ وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخرين ﴾ أي من هذه الأمة، قال ابن أبي حاتم، عن عبد الله بن بكر المزني : سمعت الحسن أتى على هذه الآية ﴿ والسابقون السابقون * أولئك المقربون ﴾ [ الواقعة : ١٠-١١ ] فقال : أما السابقون فقد مضوا، ولكن اللهم اجعلنا من أصحاب اليمين. ثم قرأ الحسن :﴿ والسابقون السابقون * أولئك المقربون * فِي جَنَّاتِ النعيم * ثُلَّةٌ مِّنَ الأولين ﴾ قال : ثلة ممن مضى من هذه الأمة. وعن محمد بن سيرين أنه قال في هذه الآية ﴿ ثُلَّةٌ مِّنَ الأولين * وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخرين ﴾ قال : كانوا يقولون أو يرجون أن يكونوا كلهم من هذه الأمة، فهذا قول الحسن وابن سيرين أن الجميع من هذه الأم. ولا شك أن أول كل أمة خير من آخرها، فيحتمل أن تعم الآية جميع الأمم كل أمة بحسبها، ولهذا ثبت في الصحاح وغيرها من غير وجه أن رسول الله ﷺ قال :« خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم » الحديث بتمامه. فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد، عن عمار بن ياسر قال، قال رسول الله ﷺ :« مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره » فهذا الحديث محمول على أن الدين كما هو محتاج إلى أول الأمة في إبلاغه كذلك هو محتاج إلى القائمين به أواخرها، والفضل للمتقدم، وكذلك الزرع هو محتاج إلى المطر الأول وإلى المطر الثاني، ولكن العمدة الكبى على الأول، واحتياج الزرع إليه آكد، فإنه لولاه ما نبت في الأرض ولا تعلق أساسه فيها، ولهذا قال عليه السلام :


الصفحة التالية
Icon