، فهذا حديث ثابت عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بل متواتر مقطوع بصحته عند أئمة الحديث النقاد لتعدد طرقه وقوة أسانيده وثقة رجاله. وقال الترمذي، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :« ما في الجنة من شجرة إلا ساقها من ذهب » وقال الضحّاك والسدي في قوله تعالى :﴿ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ ﴾ لا ينقطع ليس فها شمس ولا حر مثل قبل طلوع الفجر، وقال ابن مسعود : الجنة سَجْسَجْ كما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وقد تقدمت الآيات كقوله تعالى :﴿ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً ﴾ [ النساء : ٥٧ ] وقوله :﴿ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا ﴾ [ الرعد : ٣٥ ]، وقوله :﴿ فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ ﴾ [ المرسلات : ٤١ ] إلى غير ذلك من الآيات. وقوله :﴿ وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ ﴾ قال الثوري : يجري في غير أخدود، وقد تقدم الكلام عند تفسير قوله تعالى :﴿ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ ﴾ [ محمد : ١٥ ] الآية، بما أغنى عن إعادته هاهنا.
وقوله تعالى :﴿ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ ﴾ أي وعندهم من الفواكه الكثيرة المتنوعة في الألوان، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كما قال تعالى :﴿ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هذا الذي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً ﴾ [ البقرة : ٢٥ ] أي يشبه الشكل الشكل، ولكن الطعم غير الطعم، وفي « الصحيحين » في ذكر سدرة المنتهى : فإذا ورقها كآذان الفيلة ونبقها مثلا قلال هجر، وروى الحافظ أبو يعلى، عن جابر قال :« بينا نحن في صلاة الظهر إذ تقدم رسول الله ﷺ فتقدمنا معه، ثم تناول شيئاً ليأخذه ثم تأخر، فلما قضى الصلاة، قال له أبي بن كعب : يا رسول الله صنعت اليوم في الصلاة شيئاً ما كنت تصنعه، قال :» إنه عرضت عليَّ الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة، فتناولت منها قطفاً من عنب لآتيكم به فحيل بيني وبينه، ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقص منه « » وقوله تعالى :﴿ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ ﴾ أي لا تنقطع شتاء ولا صيفاً، بل أكلها دائم مستمر أبداً، مهما طلبوا وجدوا لا متنع عليهم بقدرة الله شيء، وقال قتادة : لا يمنعهم من تناولها عود ولا شوك ولا بعد، وقد تقدم في الحديث :« إذا تناول الرجل الثمرة عادت مكانها أُخْرى ».
وقوله تعالى :﴿ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ ﴾ أي عالية وطيئة ناعمة، روى النسائي، عن أبي سعيد « عن النبي ﷺ في قوله تعالى :﴿ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ ﴾ قال : ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام » وعن الحسن :﴿ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ ﴾ قال : ارتفاع فراش الرجل من أهل الجنة مسيرة ثمانين سنة، وقوله تعالى :﴿ إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً * لأَصْحَابِ اليمين ﴾ جرى الضمير على غير مذكور، لكن لما دل السياق وهو ذكر الفرش على النساء اللاتي يضاجعن فيها اكتفى بذلك عن ذكرهنَّ وعاد الضمير عليهن، قال الأخفش في قوله تعالى :﴿ إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ ﴾ أضمرهن ولم يذكرن قبل ذلك، وقال أبو عبيدة ذكرن في قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon