يقول تعالى مقرراً للمعاد، وراداً على المكذبين به من أهل الزيغ والإلحاد، ﴿ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ ﴾ أي نحن ابتدأنا خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئاً مذكوراً، أفليس الذي قدر على البداءة، بقادر على الإعادة بطريق الأولى والأحرى؟ ولهذا قال :﴿ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ ﴾ ؟ أي فهلا تصدقون بالبعث! ثم قال تعالى مستدلاً عليهم بقوله :﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ * أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الخالقون ﴾ ؟ أي أنتم تقرونه في الأرحام وتخلقونه فيها أم الله الخالق لذلك؟ ثم قال تعالى :﴿ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الموت ﴾ أي صرفناه بينكم، وقال الضحّاك : ساوى فيه بين أهل السماء والأرض، ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾ أي وما نحن بعاجزين ﴿ على أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ ﴾ أي نغيّر خلقكم يوم القيامة، ﴿ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ أي من الصفات والأحوال، ثم قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النشأة الأولى فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾ أي قد علمتم أن الله أنشأكم بعد أن لم تكونوا شيئاً مذكوراً، فخلقكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة، فهلا تتذكرون وتعرفون أن الذي قدر على هذه النشأة وهي البداءة قادر على النشأة الأخرى وهي الإعادة بطريق الأولى والأحرى، كما قال تعالى :﴿ وَهُوَ الذي يَبْدَؤُاْ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ [ الروم : ٢٧ ]، وقال تعالى :﴿ أَوَلاَ يَذْكُرُ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ﴾ [ مريم : ٦٧ ]، وقال تعالى :﴿ قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ [ يس : ٧٩ ]، وقال تعالى :﴿ فَجَعَلَ مِنْهُ الزوجين الذكر والأنثى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى ﴾ [ القيامة : ٣٩-٤٠ ].


الصفحة التالية
Icon