يقول تعالى :﴿ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ ﴾ ؟ وهو شق الأرض وإثارتها والبذر فيها، ﴿ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ ﴾ ؟ أي تنبتونه في الأرض ﴿ أَمْ نَحْنُ الزارعون ﴾ ؟ أي بل نحن الذي نقره قراره وننبته في الأرض، روى عن حجر المدري أنه كان إذا قرأ ﴿ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزارعون ﴾ وأمثالها، يقول : بل أنت يا رب، وقوله تعالى :﴿ لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً ﴾ أي نحن أنبتناه بلطفنا ورحمتنا، وأبقيناه لكم رحمة بكم، ولو نشاء لجلعناه حطاماً، أي لأيبسناه قبل استوائه واستحصاده، ﴿ فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ﴾. ثم فصر ذلك بقوله :﴿ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴾ أي لو جعلناه حطاماً لظلتم تفكهون في المقالة تنوعون كلامكم، فتقولون تارة :﴿ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ﴾ أي لملقون، وقال مجاهد وعكرمة : إنا لمولع بنا، وقال قتادة : معذبون، وتارة تقولون :﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴾ أي لا يثبت لنا مال ولا ينتج لنا ربح، وقال مجاهد :﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴾ أي مجدودون يعني لا حظ لنا، وقال ابن عباس ومجاهد :﴿ فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ﴾ تعجبون، وقال مجاهد أيضاً :﴿ فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ﴾ تفجعون وتحزنون على ما فاتكم من زرعكم، وهذا يرجع إلى الأول، وهو التعجب من السبب الذي من أجله أصيبوا في مالهم، وهذا اختيار ابن جرير، وقال عكرمة :﴿ فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ﴾ تلاومون، وقال الحسن وقتادة :﴿ فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ﴾ تندمون ومعناه إمنا على ما أنفقتم أو على ما أسلفتم من الذنوب، قال الكسائي : تفكه من الأضداد، تقول العرب : تفكهت بمعنى تنعمت، وتفكهت بمعنى حزنت.
ثم قال تعالى :﴿ أَفَرَأَيْتُمُ المآء الذي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المزن ﴾، يعني السحاب، ﴿ أَمْ نَحْنُ المنزلون ﴾، يقول : بل نحن المنزلون، ﴿ لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً ﴾ أي زعافاً مراً لا يصلح لشرب ولا زرع، ﴿ فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ ﴾ أي فهلا تشكرون نعمة الله عليكم في إنزاله المطر عليكم عذباً زلالاً، ﴿ لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ﴾ [ النحل : ١٠ ] روى ابن أبي حاتم، عن جابر، عن أبي جعفر، عن النبي ﷺ أنه كان إذا شرب الماء قال :« الحمد الله الذي سقانا عذباً فراتاً برحمته، ولم يجعله ملحاً أجاجاً بذنوبنا » ثم قال :﴿ أَفَرَأَيْتُمُ النار التي تُورُونَ ﴾ أي تقدحون من الزناد وتستخرجونها من أصلها ﴿ أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ المنشئون ﴾ أي بل نحن الذين جعلناها مودعة في موضعها، وللعرب شجرتان : إحداهما ( المرخ )، والأُخرى ( العفار ) إذا أخذ منهما غصنان أخضران فحك أحدهما بالآخر تناثر من بينهما شرر النار، وقوله تعالى :﴿ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً ﴾ قال مجاهد وقتادة : أي تذكر النار الكبرى، وعن النبي ﷺ قال :« إن ناركم هذه جزء من سبعين جز من نار جهنم وضربت بالبحر، مرتين، ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد »


الصفحة التالية
Icon