هذه الأحوال الثلاثة هي أحوال الناس عند احتضارهم : إما أن يكون من المقربين، أو يكون ممن دونهم من أصحاب اليمين، وإما أن يكون من المكذبين بالحق، الضالين عن الهدى، الجاهلين بأمر الله، ولهذا قال تعالى :﴿ فَأَمَّآ إِن كَانَ ﴾ أي المحتضر ﴿ مِنَ المقربين ﴾ وهم الذين فعلوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات وبعض المباحات، ﴿ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ ﴾ أي فلهم روح وريحان وتبشرهم الملائكة بذلك عند الموت كما تقدم في حديث البراء « إن ملائكة الرحمة تقول : أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب، كنت تعمرينه اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان »، قال ابن عباس ﴿ فَرَوْحٌ ﴾ يقول : راحة ﴿ وَرَيْحَانٌ ﴾ يقول : مستراحة، وكذا قال مجاهد : إن الروح الاستراحة، وقال أبو حرزة : الراحة من الدنيا، وقال سعيد بن جبير : الروح الفرح، وعن مجاهد :﴿ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ﴾ جنة ورخاء، وقال قتادة : فروح فرحمة. وقال ابن عباس ومجاهد :﴿ وَرَيْحَانٌ ﴾ : ورزق؛ وكل هذه الأقوال متقاربة صحيحة، فإن من مات مقرباً حصل له جميع ذلك من الرحمة والراحة والاستراحة والفرح والسرور والرزق الحسن ﴿ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ ﴾، وقال أبو العالية : لا يفارق أحد من المقربين حتى يؤتى بغضن من ريحان الجنة فيقبض روح فيه، وقال محمد بن كعب : لا يموت أحد من الناس حتى يعلم أمن أهل الجنة هو أم من أهل النار، وقد قدمنا أحاديث الاحتضار عند قوله تعالى في سور إبراهيم ﴿ يُثَبِّتُ الله الذين آمَنُواْ بالقول الثابت ﴾ [ إبراهيم : ٢٧ ]. وقد وردت أحاديث تتعلق بهذه الآية. روى الإمام أحمد، « عن أم هانىء أنها سألت رسول الله ﷺ : أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بعضاً؟ فقال رسول الله ﷺ :» يكون النسم طيراً يعلق بالشجر حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها « »، هذا الحديث فيه بشارة لكل مؤمن، ومعنى « يَعْلَق » يأكل، ويشهد له بالصحة أيضاً ما رواه الإمام الشافعي، عن الإمام مالك، عن كعب بن مالك، عن رسول الله ﷺ قال :« إنما نسمه المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه »، وهذا إسناد عظيم ومتن قويم، وفي الصحيح أن رسول الله ﷺ قال :« إن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في رياض الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش » الحديث. وروى الإمام أحمد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، « عن رسول الله ﷺ أنه قال :» من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه « قال : فأكب القوم يبكون فقال :» ما يبكيكم؟ « فقالوا : إنا نكره الموت، قال :» ليس ذاك، ولكنه إذا احتضر ﴿ فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المقربين * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ ﴾، فإذا بشر بذلك أحب لقاء الله عزّ وجلّ، والله عزّ وجلّ للقائه آحب ﴿ وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المكذبين الضآلين فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ﴾ فإذا بشر بذلك كره لقاء الله، والله تعالى للقائه أكره « ».