هذا مثل آخر ضربه الله تعالى لضرب آخر من المنافقين، وهم قوم يظهر لهم الحق تارة ويشكون تارة أُخرى، فقلوبهم في حال شكهم وكفرهم وترددهم ( كصيِّب ) والصيب : المطر نزل من السماء في حال ظلمات وهي الشكوك والكفر والنفاق، و ( رعد ) : وهو ما يزعج القلوب من الخوف، فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع كما قال تعالى :﴿ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ﴾ [ المنافقون : ٤ ]، وقال :﴿ وَيَحْلِفُونَ بالله إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ ولكنهم قَوْمٌ يَفْرَقُونَ * لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ﴾ [ التوبة : ٥٦-٥٧ ] و ( البرق ) : هو ما يلمع في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين في بعض الأحيان من نور الإيمان، ولهذا قال :﴿ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِم مِّنَ الصواعق حَذَرَ الموت والله مُحِيطٌ بالكافرين ﴾ أي ولا يجدي عنهم حذرهم شيئاً لأن الله محيط بهم بقدرته، وهم تحت مشيئته وإرادته، كما قال :﴿ هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ الجنود * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الذين كَفَرُواْ فِي تَكْذِيبٍ * والله مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ ﴾ [ البروج : ١٧-٢٠ ] أي بهم، ثم قال :﴿ يَكَادُ البرق يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ﴾ أي لشدته وقوته في نفسه وضعف بصائرهم وعدم ثباتها للإيمان. قال ابن عباس :﴿ يَكَادُ البرق يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ﴾ أي لشدة ضوء الحق ﴿ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ ﴾ أي كلما ظهر لهم من الإيمان شيء استأنسوا به واتبعوه، وتارة تعرض لهم الشكوك أظلمت قلوبهم فوقفوا حائرين. وعن ابن عباس : يعرفون الحق ويتكلمون به، فهم من قولهم به على استقامة فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر قاموا : أي متحيرين. وهكذا يكونون يوم القيامة عندما يعطى الناس النور بحسب إيمانهم، فمنهم من يعطى من النور ما يضيء له مسيرة فراسخ وأكثر من ذلك وأقل من ذلك، ومنهم من يطفأ نوره تارة ويضيء أخرى، ومنهم من يمشي على الصراط تارة ويقف أخرى، ومنهم من يطفأ نوره بالكلية وهم الخُلَّص من المنافقين الذين قال تعالى فيهم :﴿ يَوْمَ يَقُولُ المنافقون والمنافقات لِلَّذِينَ آمَنُواْ انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارجعوا وَرَآءَكُمْ فالتمسوا نُوراً ﴾ [ الحديد : ١٣ ] وقال في حق المؤمنين :﴿ يَوْمَ تَرَى المؤمنين والمؤمنات يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ اليوم جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ [ الحديد : ١٢ ] الآية. وقال تعالى :﴿ يَوْمَ لاَ يُخْزِى الله النبي والذين آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا واغفر لَنَآ إِنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [ التحريم : ٨ ].
وقوله تعالى :﴿ وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ عن ابن عباس في قوله تعالى :﴿ وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ﴾ قال : لما تركوا من الحق بعد معرفته، ﴿ إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ : أي إن الله على كل ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قدير.


الصفحة التالية
Icon