وقوله تعالى :﴿ الذين يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ ﴾ أصل الظهار مشتق من الظهر، وذلك أن الجاهلية كانوا إذا ظاهر أحدهم من امرأته قال لها : أنت عليّ كظهر أُمّي، وكان الظهار عند الجاهلية طلاقاً فأرخص الله لهذه الأُمّة وجعل فيه كفارة ولم يجعله طلاقاً كما كانوا يعتمدونه في جاهليتهم. هكذا قال غير واحد من السلف، وقال سعيد بن جبير : كان الإيلاء والظهار من طلاق الجاهلية فوقّت الله الإيلاء أربعة أشهر، وجعل في الظهار الكفارة، وقوله تعالى :﴿ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللائي وَلَدْنَهُمْ ﴾ أي لا تصير المرأة بقول الرجل أنت عليّ كأُمّي، أو مثل أُمي، أو كظهر أُمي وما أشبه ذلك، لا تصير أُمه بذلك إنما أمه التي ولدته، ولهذا قال تعالى :﴿ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ القول وَزُوراً ﴾ أي كلاماً فاحشاً باطلاً، ﴿ وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ أي عما كان منكم في حال الجاهلية، وهكذا أيضاً عما خرج من سبق اللسان ولم يقصد إليه المتكلم، كما روي « أن رسول الله ﷺ سمع رجلاً يقول لامرأته : يا أُختي، فقال :» أختك هي؟ « » فهذا إنكار، ولكن لم يحرمها عليه بمجرد ذلك لأنه لم يقصده، ولو قصده لحرمت عليه، لأنه لا فرق على الصحيح بين الأُم وبين غيرها من سائر المحارم من أُخت وعمَّة وخالة وما أشبه ذلك.
وقوله تعالى :﴿ والذين يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ ﴾ اختلف السلف والأئمة في المراد بقوله تعالى ﴿ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ ﴾ فقال بعض الناس : العود هو أن يعود إلى لفظ الظهار فيكرره، وهذا القول باطل، وهو اختيار ابن حزم، وقال الشافعي : هو أن يمسكها بعد المظاهرة زماناً يمكنه أن يطلق فيه فلا يطلق، وقال أحمد بن حنبل : هو أن يعوند إلى الجماع أو يعزم عليه فلا تحل له حتى يكفر بهذه الكفارة، وقد حكي عن مالك أنه لعزم على الجماع أو الإمساك وعنه أنه الجماع، وقال أبو حنيفة : هو أن يعود إلى الظهار بعد تحريمه ورفع ما كان عليه أمر الجاهلية، فتمنى ظاهر الرجل من امرأته فقد حرمها تحريماً لا يرفعه إلا الكافرة، وعن سعيد بن جبير ﴿ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ ﴾ يعني يريدون أن يعودوا في الجماع الذي حرموه على أنفسهم. وقال الحسن البصري : يعني الغشيان في الفرج وكان لا يرى بأساً أن يغشى فيما دون الفرج قبل أن يكفّر.


الصفحة التالية
Icon