يخبر تعالى عمن شاقوا الله ورسوله وعاندوا شرعه ﴿ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ الذين مِن قَبْلِهِمْ ﴾ أي أهينوا ولعنوا وأخزوا كما فعل بمن أشبههم ممن قبلهم، ﴿ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ أي واضحات لا يعاندها ولا يخالفها إلاّ كافر فاجر مكابر، ﴿ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ أي في مقابلة ما استكبروا عن اتباع شرع الله. والانقياد له والخضوع لديه، ثم قال تعالى :﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً ﴾ وذلك يوم القيامة يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد ﴿ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عملوا ﴾ أي فيخبرهم بالذي صنعوا من خير وشر، ﴿ أَحْصَاهُ الله وَنَسُوهُ ﴾ أي ضبطه الله وحفظه عليهم، وهم قد نسوا ما كانوا عملوا، ﴿ والله على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ أي لا يغيب عنه شيء ولا يخفى ولا ينسى. ثم قال تعالى مخبراً عن إحاطة علمه بخلقه واطلاعه عليهم وسماعه كلامهم ورؤيته مكانهم حيث كانوا وأني كانوا. فقال تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض مَا يَكُونُ مِن نجوى ثَلاَثَةٍ ﴾ أي من سر ثلاثة ﴿ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أدنى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ﴾، أي مطلع عليهم يسمع كلامهم وسرهم ونجواهم، ورسله أيضاً مع ذلك تكتب ما ينتاجون به من علم الله به وسمعه له، كما قال تعالى :﴿ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ الله يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ الله عَلاَّمُ الغيوب ﴾ [ التوبة : ٧٨ ]، وقال تعالى :﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بلى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ [ الزخرف : ٨٠ ]، ولهذا حكى غير واحد الإجماع على أن المراد بهذه الآية معية علمه تعالى، ولا شك في إرادة ذلك، ولكن سمعه أيضاً مع علمه محيط بهم وبصره نافذ فيهم، فهو سبحانه وتعالى مطلع على خلقه لا يغيب عنه من أمورهم شيء، ثم قال تعالى :﴿ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ القيامة إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ قال الإمام أحمد : افتتح الآية بالعلم واختتمها بالعلم.


الصفحة التالية
Icon