، وبقي منها صدقة رسول الله ﷺ التي في أيدي بني فاطمة.
وقوله تعالى :﴿ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ ﴾ أي في مدة حصاركم لهم وكانت ستة أيام مع شدة حصونهم ومنعتها، ولهذا قال تعالى :﴿ وظنوا أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ الله فَأَتَاهُمُ الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ ﴾ أي جاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم في بال كما قال تعالى في الآية الأُخْرَى ﴿ وَأَتَاهُمُ العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [ النحل : ٢٦ ]، وقوله تعالى :﴿ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرعب ﴾ أي الخوف والهلع والجزع، وكيف لا يحصل لهم ذلك وقد حاصرهم الذي نصر بالرعب مسيرة شهر صلوات الله وسلامه عليه، وقوله :﴿ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المؤمنين ﴾ هو نقض ما استحسنوه من سقوفهم وأبوابهم وحلمها على الإبل، وقال مقاتل بن حيان : كان رسول الله ﷺ يقاتلهم، فإذا ظهر على درب أو دار هدم حيطانها ليتسع المكان للقتال، وكان اليهود إذا علو مكاناً أو غلبوا على درب أو دار نقبوا من أدبارها، ثم حصنوها ودربوها، يقول الله تعالى :﴿ فاعتبروا ياأولي الأبصار ﴾، وقوله :﴿ وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الجلاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدنيا ﴾ أي لولا أن الله كتب عليهم هذا الجلاء وهو النفي من ديارهم وأموالهم، لكان لهم عند الله عذاب آخر من القتل والسبي ونحو ذلك، لأن الله قد كتب عليهم أنه سيعذبهم في الدار الدنيا مع ما أعد لهم في الدار الآخرة من العاذب من نار جهنم، عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير قال : ثم كانت وقعة بني النضير، وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر، وكان منزلهم بناحية من المدينة فحاصرهم رسول الله ﷺ حتى نزلوا على الجلاء وأن لهم ما أقلت الإبل من الأموال والأمتعة إلاّ الحلقة وهي السلاح، فأجلاهم رسول الله ﷺ قبل الشام، قال : والجلاء أنه كتب عليهم في آي من التوراة، وكانوا من سبط لم يصبهم الجلاء قبل ما سلط عليهم رسول الله ﷺ، وأنزل الله فيهم :﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض ﴾ - إلى قوله - ﴿ وَلِيُخْزِيَ الفاسقين ﴾، قال قتادة : الجلاء خروج الناس من البلد إلى البلد، وقال الضحّاك : أجلاهم إلى الشام وأعطى كل ثلاثة بعيراً وسقاء فهذا الجلاء، وقد روى الحافظ أبو بكر البيهقي، عن ابن عباس قال : كان النبي ﷺ قد حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ، فأعطوه ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم، وأن يخرجهم من أرضهم ومن ديارهم وأوطانهم، وأن يسيرهم إلى أذرعات الشام، وجعل لكل ثلاثة منهم بعيراً وسقاء، والجلاء إخراجهم من أرضهم إلى أرض أُخْرَى.


الصفحة التالية
Icon