عني حاجة، أي يقدموا المحاويج على حاجة أنفسهم، ويبدأون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك. وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال :« أفضل الصدقة جهد المقل »، ومن هذا المقام « تصدق الصدّيق رضي الله عنه بجميع ماله، فقال له رسول الله ﷺ :» ما أبقيت لأهلك؟ « فقال رضي الله عنه : أبقيت لهم الله ورسوله »، وهكذا الماء الذي عرض على عكرمة وأصحابه يوم اليرموك، فكل منهم يأمر بدفعه إلى صاحبه وهو جريح مثقل أحوج ما يكون إلى الماء، فرده الآخر إلى الثالث، فما وصل إلى الثالث حتى ماتوا عن آخرهم، ولم يشربه أحد منهم رضي الله عنهم وأرضاهم، وقال البخاري، عن أبي هريرة قال :« أتى رجل رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله أصابني الجهد، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئاً، فقال النبي ﷺ :» ألا رجل يضيف هذه الليلة رحمه الله « فقال رجل من الأنصار فقال : أنا يا رسول الله، فذهب إلى أهله، فقال لامرأته هذا ضيف رسول الله ﷺ لا تدخريه شيئاً، فقالت : والله ما عندي إلا قوت الصبية، قال : فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم فأطفئي السرج ونطوي بطوننا الليلة، ففعلت، ثم غدا الرجل على رسول الله ﷺ فقال :» لقد عجب الله عزّ وجلّ - أو ضحك - من فلان وفلانة «، وأنزل الله تعالى :﴿ وَيُؤْثِرُونَ على أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾. وفي رواية لمسلم تسمية هذا الأنصاري بأبي طلحة رضي الله عنه.
وقوله تعالى :﴿ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأولئك هُمُ المفلحون ﴾ أي من سلم من الشح فقد أفلح وأنجح، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ قال :»
إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم « وعن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه سلم :» اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الفحش فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، وإياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالفجور ففجروا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا « وقال ابن أبي حاتم، عن الأسود بن هلال قال : جاء رجل إلى عبد الله فقال : يا أبا عبد الرحمن إني أخاف أن أكون قد هلكت، فقال له عبد الله : وما ذاك؟ قال : سمعت الله يقول :﴿ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأولئك هُمُ المفلحون ﴾ وأنا رجل شحيح لا أكاد أن أخرج من يدي شيئاً، فقال عبد الله : ليس ذلك بالشح الذي ذكر الله في القرآن، إنما الشح الذي ذكر الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلماً، ولكن ذاك البخل، وبئس الشيء البخل، وعن أبي الهياج الأسدي، قال : كنت أطوف بالبيت فرأيت رجلاً يقول : اللهم قني شح نفسي، لا يزيد على ذلك، فقلت له : فقال إني إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ولم أزن ولم أفعل، وإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.


الصفحة التالية
Icon