تقدم في سورة الفتح ذكر صلح الحُدَيبية، الذي وقع بين رسول الله ﷺ وبين كفار قريش، فكان فيه : على أن يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلاّ رددته إلينا، فعلى هذه الرواية تكون هذه الآية مخصّصة للسنة، وعلى طريقة بعض السلف ناسخة، فإن الله عزَّ وجلَّ أمر عباده المؤمنين إذا جاءهم النساء مهاجرات أن يمتحنوهن، فإن علموهن مؤمنات فلا يرجعوهن إلى الكفار ﴿ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾، وسبب النزول ما روي أنه لما هاجرت ( أُم كلثوم ) بنت عقبة بن أبي معيط، خرج أخواها ( عمارة ) و ( الوليد ) حتى قدما على رسول الله ﷺ فكلماه فيها أن يردها إليهما، فنقض الله العهد بينه وبين المشركين في النساء خاصة، فمنعهم أن يردوهن إلى المشركين وأنزل الله آية الامتحان، روى ابن جرير، عن أبي نصر الأسدي قال : سئل ابن عباس كيف كان امتحان رسول الله ﷺ النساء، قال : كان يمتحنهن بالله ما خرجت من بغض زوج، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض، وبالله ما خرجت التماس دنيا، والله ما خرجت إلاّ حباً لله ولرسوله. وقال ابن عباس في قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ المؤمنات مُهَاجِرَاتٍ فامتحنوهن ﴾ كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبد الله ورسوله، وقال مجاهد :﴿ فامتحنوهن ﴾ فاسألوهن عما جاء بهن، فإن كان جاء بهن غضب على أزواجهن أو سخطة أو غيره ولم يؤمنَّ فارجعوهن إلى أزواجهن، وقال عكرمة : يقال لها ما جاء بك إلاّ حب الله ورسوله، ما جاء بك عشق رجل منا، ولا فرار من زوجك، فلذلك قوله ﴿ فامتحنوهن ﴾، وقال قتادة : كانت محنتهن أن يستحلفن بالله ما أخرجكن النشوز، وما أخرجكن إلاّ حب الإسلام وأهله، وحرص عليه، فإذا قلن ذلك قبل ذلك منهن.
وقوله تعالى :﴿ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكفار ﴾ فيه دلالة على أن الإيمان يمكن الاطلاع عليه يقيناً، وقوله تعالى :﴿ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ هذه الآية هي التي حرمت المسلمات على المشركين، وقد كان جائزاً في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة، ولهذا كان أمر ( أبي العاص بن الربيع ) زوج ابنة النبي ﷺ زينب رضي الله عنها، وقد كانت مسلمة وهو على دين قومه، فلما وقع في الأسارى يوم بدر بعثت امرأته زينب في فدائه بقلادة لها كانت لأمها خديجة، فلما رآها رسول الله ﷺ رقّ لها رقة شديدة وقال للمسلمين :« إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا »