يقول تعالى مخبراً عن عبده ورسوله وكليمه ( موسى بن عمران ) عليه السلام أنه قال لقومه :﴿ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ ﴾، لم توصلون الأذى إليَّ وأنتم تعلمون صدقي فيما جئتكم به من الرسالة؟ وفي هذا تسلية لرسول الله ﷺ فيما أصابه من الكفَّار، وقوله تعالى :﴿ فَلَمَّا زاغوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ ﴾ أي فلما عدلوا عن اتباع الحق مع علمهم به، أزاغ الله قلوبهم عن الهدى، وأسكنها الشك والحيرة والخذلان، كما قال تعالى :﴿ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [ الأنعام : ١١٠ ]، وقال تعالى :﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرسول مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين نُوَلِّهِ مَا تولى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً ﴾ [ النساء : ١١٥ ]، ولهذا قال تعالى في هذه الآية :﴿ والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين ﴾ وقوله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ يابني إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوراة وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسمه أَحْمَدُ ﴾ يعني التوراة، وقد بشرت بي وأنا مصداق ما أخبرت عنه، وأنا مبشر بمن بعدي وهو الرسول النبي الأمي العربي المكي ( أحمد ) فعيسى عليه السلام هو خاتم أنبياء بني إسرائيل، وقد أقام في ملأ بني إسرائيل مبشراً بمحمد وهو أحمد خاتم الأنبياء والمرسلين الذي لا رسالة بعده ولا نبوة. وما أحسن ما أورد البخاري، عن جبير بن مطعم قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :« إن لي أسماء، أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب » قال ابن عباس : ما بعث الله نبياً إلا أخذ عليه العهد، لئن بعث محمد وهو حي ليتبعنه، وأخذ عليه أن يأخذ على أُمّته لئن بعت محمد وهم أحياء ليتبعه وينصرنه.
وقال محمد بن إسحاق، عن خالد بن معدان، عن أصحاب رسول الله ﷺ أنهم قالوا : يا رسول الله أخبرنا عن نفسك، قال :« » دعوة أبي إبراهيم، وبُشْرى عيسى، ورأت أُمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصى من أرض الشام «، وقال رسول الله ﷺ :» إني عند الله لخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك دعوة إبي إبراهيم وبشارة عيسى بي، ورؤيا أُمّي التي رأت وكذلك أُمَّهات النبيين يرين « » وروى أحمد عن أبي أمامة قال، قلت :« يا رسول الله ما كان بدء أمرك؟ قال :» دعوة إبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أُمي أنه يخرج منها نور أضاءت له قصور الشام « وقال عبد الله بن مسعود : بعثنا رسول الله ﷺ إلى النجاشي ونحن نحوِّ من ثمانين رجلاً، منهم ( عبد الله بن مسعود )، و ( جعفر ) و ( عبد الله بن رواحة ) و ( عثمان بن مظعون ) و ( أبو موسى ) قأتوا النجاشي، وبعثت قريش ( عمرو بن العاص ) و ( عمار بن الوليد ) بهدية، فلما دخلا على النجاشي سجدا له، ثم ابتدراه عن يمينه وعن شماله، ثم قالا له : إن نفراً من بني عمّنا نزلوا أرضك ورغبوا عنا، وعن ملتنا، قال : فأين هم؟ قالا : هم في أرضك فابعث إليهمن فبعث إليهمن فقال جعفر : أنا خطيبكم اليوم، فاتبعوه، فسلّم ولم يسجد، فقالوا له : مالك لا تسجد للملك؟ قال : إنا لا نسجد إلا لله عزّ وجلّ، قال : وما ذاك؟ قال : إن الله بعث إلينا رسوله، فأمرنا أن لا نسجد إلا لأحد إلا لله عزّ وجلّ، وأمرنا بالصلاة والزكاة، قال عمرو بن العاص : فإنهم يخالفونك في عيسى ابن مريم، قال : ما تقولون في عيسى ابن مريم وأُمّه؟ قال : نقول كما قال الله عزّ وجلّ : هو كلمة الله، وروحه ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر، ولم يعترضها ولد، قال، فرفع عوداً من الأرض، ثم قال : يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان، والله ما يزيدون على الذي نقول فيه ما يساوي هذا، مرحباً بكم وبمن جئتم من عنده، أشهد أنه رسول الله وأنه الذي نجده في الإنجيل، وأنه الذي بَشَر به عيسى ابن مريم، انزلوا حيث شئتم، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أكون أنا أحمد نعليه، وأوضئه، وأمر بهدية الآخرين فرُدَّت إليهما.