( قلت ) : ويستدل لهذا القول بما تقدم من رواية ابن عباس في قصة ( ثابت بن قيس ) فأمره رسول الله ﷺ أن يأخذ منها الحديقة ولا يزداد، وبما روي عن عطاء عن النبي ﷺ كره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها يعني المختلعة، وحملوا معنى الآية على معنى ﴿ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ ﴾ أي من الذي أعطاها لتقدم قوله :﴿ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً ﴾ ولهذا قال بعده :﴿ تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فأولئك هُمُ الظالمون ﴾.
فصل
قال الشافعي : اختلف أصحابنا في الخلع، فعن عكرمة قال : كل شيء أجازه المال فليس بطلاق، وروي عن ابن عباس أن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص سأله فقال : رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه أيتزوجها؟ قال : نعم ليس الخلع بطلاق، ذكر الله الطلاق في أول الآية وآخرها، والخلع فيما بين ذلك فليس الخلع بشيء، ثم قرأ :﴿ الطلاق مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾، وهذا الذي ذهب إليه ابن عباس رواية عن عثمان وابن عمر وبه يقول أحمد وهو مذهب الشافعي في القديم، وهو ظاهر الآية الكريمة، والقول الثاني في الخلع إنه ( طلاق بائن ) إلا أن ينوي أكثر من ذلك وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي في الجديد، غير أن الحنفية عندهم أنه متى نوى المخلع بخلعه تطليقة أو اثنتين أو أطلق فهو واحدة بائنة، وإن نوى ثلاثاً فثلاث، وللشافعي قول آخر في الخلع وهو أنه متى لم يكن بلفظ الطلاق وعري عن البينة فليس بشيء بالكلية.
مسألة
وليس للمخالع أن يراجع المختلعة في العدة بغير رضاها عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء، لأنها قد ملكت نفسها بما بذلت له من العطاء، وقال سفيان الثوري : إن كان الخلع بغير لفظ الطلاق فهو فرقة ولا سبيل له عليها؟ وإن كان يسمى طلاقاً فهو أملك لرجعتها ما دامت في العدة وبه يقول داود الظاهري، واتفق الجميع على أن للمختلع أن يتزوجها في العدة، وحكى ابن عبد البر عن فرقة أنه لا يجوز له ذلك كما لا يجوز لغيره، وهو قول شاذ مردود.
مسألة
وهل له أن يوقع عليها طلاقاً آخر في العدة؟ فيه ثلاثة أقوال للعلماء. ( أحدها ) : ليس له ذلك لأنها قد ملكت نفسها وبانت منه، وبه يقول الشافعي وأحمد بن حنبل. ( والثاني ) : قال مالك : إن أتبع الخلع طلاقاً من غير سكوت بينهما وقع، وإن سكت بينهما لم يقع قال ابن عبد البر : وهذا يشبه ما روي عن عثمان رضي الله عنه. ( والثالث ) أنه يقع عليها الطلاق بكل حال ما دامت في العدة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي.