وقوله تعالى :﴿ تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فأولئك هُمُ الظالمون ﴾ أي هذه الشرائع التي شرعها لكم هي حدوده فلا تتجاوزوها كما ثبت في الحديث الصحيح :« إن الله حد حدوداً فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم محارم فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تسألو عنها »، وقد يستدل بهذه الآية من ذهب إلى أن جمع الطلقات الثلاث بكلمة واحدة حرام كما هو مذهب المالكية ومن وافقهم، وإنما السنة عندهم أن يطلق واحدة لقوله :﴿ الطلاق مَرَّتَانِ ﴾، ثم قال :﴿ تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَعْتَدُوهَا ﴾ الآية « أُخبر رسول الله ﷺ عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً فقام غضبان ثم قال :» أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم « حتى قام رجل فقال : يا رسول الله ألا أقتله؟ ».
وقوله تعالى :﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ﴾ أي أنه إذا طلق الرجل امرأته طلقة ثالثة بعد ما أرسل عليها الطلاق مرتين، فإنها تحرم عليه حتى تنكح زوجاً غيره، أي حتى يطأها زوج آخر، في نكاح صحيح، فلو وطئها واطىء في غير نكاح ولو في ملك اليمين لم تحل للأول، لأنه ليس بزوج، وهكذا لو تزوجت ولكن لم يدخل بها الزوج لم تحل للأول، لحديث ابن عمر عن النبي ﷺ « في الرجل يتزوج المرأة فيطلقها قبل أن يدخل بها البتة، فيتزوجها زوج آخر فيطلقها قبل أن يدخل بها أترجع إلى الأول؟ قال :» لا حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها « عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ » سئل عن رجل كانت تحته امرأة فطلقها ثلاثاً، فتزوجت بعده رجلاً فطلقها قبل أن يدخل بها أتحل لزوجها الأول؟ فقال رسول الله ﷺ :« لا حتى يكون الآخر قد ذاق من عسيلتها وذاقت من عسيلته » قال مسلم في صحيحه عن عائشه أن رسول الله ﷺ « سئل عن المرأة يتزوجها الرجل فيطلقها فتتزوج رجلاً آخر فيطلقها قبل أن يدخل بها أتحل لزوجها الأول قال :» لا حتى يذوق عسيلتها « وعن عائشة » أن رفاعة القرظي تزوج امرأة ثم طلقها، فأتت النبي ﷺ فذكرت له أنه لا يأتيها، وأنه ليس معه إلا مثل هدبة الثوب، فقال :« لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك » «.
وقال الإمام أحمد عن عائشة قالت :»
دخلت امرأة رفاعة القرظي وأنا وأبو بكر عند النبي ﷺ فقالت : إن رفاعة طلقني البتة، وإن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني، وإنما عنده مثل الهدبة، وأخذت هدبة من جلبابها - وخالد بن سعيد بن العاص بالباب لم يؤذن له - فقال : يا أبا بكر ألا تنهى هذه عما تجهر به بين يدي رسول بالله ﷺ ؟ فما زاد رسول الله ﷺ عن التبسم فقال رسول الله ﷺ :« كأنك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك » «.


الصفحة التالية
Icon