يقول تعالى متوعداً لمن خالف أمره، وكذَّب رسله وسلك غير ما شرعه، ومخبراً عما حل بالأمم السالفة بسبب ذلك فقال تعالى :﴿ وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ ﴾ أي تمردت وطغت واستكبرت عن اتباع أمر الله ومتابعة رسله، ﴿ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً ﴾ أي منكراً فظيعاً، ﴿ فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا ﴾ أي غب مخالفتها وندموا حيث لا ينفعهم الندم، ﴿ وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً * أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً ﴾ أي في الدار الآخرة مع ما عجَّل لهم من العذاب في الدنيا، ثم قال تعالى بعد ما قص من خبر هؤلاء :﴿ فاتقوا الله ياأولي الألباب ﴾ أي الأفهام المستقيمة لا تكونوا مثلهم فيصيبكم ما أصابهم يا أولي الألباب، ﴿ الذين آمَنُواْ ﴾ أي صدقوا بالله ورسله ﴿ قَدْ أَنزَلَ الله إِلَيْكُمْ ذِكْراً ﴾ يعني القرآن، كقوله تعالى :﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [ الحجر : ٩ ]، وقوله تعالى :﴿ رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ الله مُبَيِّنَاتٍ ﴾، وقال بعضههم :﴿ رَّسُولاً ﴾ بدل اشتمال؛ لأن الرسول هو الذي بلغ الذكر، وقال ابن جرير : الصواب أن الرسول ترجمة عن الذكر يعني تفسيراً له، ولهذا قال تعالى :﴿ رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ الله مُبَيِّنَاتٍ ﴾ أي في حال كونها بينة واضحة جلية، ﴿ لِّيُخْرِجَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنَ الظلمات إِلَى النور ﴾، كقوله تعالى :﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور ﴾ [ إبراهيم : ١ ]، وقوال تعالى :﴿ الله وَلِيُّ الذين آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور ﴾ [ البقرة : ٢٥٧ ]، أي من ظلمات الكفر والجهل، إلى نور الإيمان والعلم، وقد سمى الله تعالى الوحي الذي أنزله ﴿ نُوراً ﴾ لما يحصل به من الهدى، كما سماه ﴿ رُوحاً ﴾ لما يحصل به حياة القلوب فقال تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا ﴾ [ الشورى : ٥٢ ] الآية، وقوله تعالى :﴿ وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ الله لَهُ رِزْقاً ﴾ قد تقدم تفسير مثل هذا ولله الحمد والمنة.