اختلف في سبب نزول صدر هذه السورة، فقيل : نزلت في شأن ( مارية ) وكان رسول الله ﷺ قد حرمها فنزل قوله تعالى :﴿ ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ ﴾ الآية، وقد روى النسائي، عن أنَس « أن رسول الله ﷺ كانت له أمة يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة، حتى حرمها، فأنزل الله عزّ وجلّ :﴿ ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ ﴾ إلى آخر الآية »، وروى ابن جرير، عن زيد بن أسلم « أن رسول الله ﷺ أصاب أُم إبراهيم في بعض بعض نسائه، فقالت : أي رسول الله في بيتي وعلى فراشي؟ فجعلها عليه حراماً، فقالت : أي رسول الله كيف يحرم عليك الحلال؟ فحلف لها بالله لا يصيبها، فأنزل الله تعالى :﴿ ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ ﴾ » ؟! وعن مسروق قال :« آلى رسول الله ﷺ وحرم، فعوتب في التحريم، وأُمر بالكفارة باليمين »، وعن سعيد بن جبير : أن ابن عباس كان يقول في الحرام يمين تكفرها، وقال ابن عباس :﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [ الأحزاب : ٢١ ] يعني أن رسول الله ﷺ حرم جاريته، فقال الله تعالى :﴿ ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ﴾ فكفّر يمينه فصيّر الحرام يميناً، ومن هاهنا قال بعض الفقهاء بوجوب الكفارة على من حرّم جاريته، أو زوجته، أو طعاماً، أو شراباً، أو شيئاً من المباحات وهو مذهب الإمام أحمد، وذهب الشافعي إلى أنه لا تجب الكفارة فيما عدا الزوجة والجارية إذا حرم عينيهما، فأما إن نوى بالتحريم طلاق الزوجة أو عتق الأمَة نفذ فيهما، والآية نزلت في تحريمه العسل كما روى البخاري عن عائشة قالت :« كان النبي ﷺ يشرب عسلاً عند ( زينب بنت جحش ) ويمكث عندها، فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له : أكلت مغافير؟ إني أجد منك ريح مغافير، قال :» لا ولكني كنت أشرب عسلاً عند زينب بنت جحش، فلن أعود له، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحداً « » ﴿ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِك ﴾.
وقال البخاري في « كتاب الطلاق » عن عائشة قالت :« كان رسول الله ﷺ يحب الحلوى والعسل، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنون من إحداهن، فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس، فغرت، فسألت عن ذلك فقيل لي أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل، فسقت النبي ﷺ منه شربة، فقلت : أما والله لنحتالنَّ له، فقلت لسودة بن زمعة : إنه سيدنو منك، فإذا دنا منك فقولي : أكلت مغافير فإنه سيقول : لا، فقولي له : ما هذه الريح التي أجد؟ سيقول لك : سقتني حفصة شربة عسل، فقولي : جرست نحله العرفط وسأقول ذلك، وقولي له أنت يا صفية ذلك، قالت : تقول سودة : فوالله ما هو إلا أن أقام على الباب، فأردت أن أناديه بما أمرتني فرقاً منك، فلما دنا منها، قالت له سودة : يا رسول الله أكلت مغافير؟ قال :» لا «، قالت : فما هذه الريح التي أجد منك؟ قال :» سقتني حفصة شربة عسل «، قالت : جرست نحلة العرفط، فلما دار إليَّ، قلت نحو ذلك، فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك، فلما دار إلى حفصة قالت له : يا رسول الله ألا أسقيك منه؟ قال :» لا حاجة لي فيه « »