، قالت : تقول سودة والله لقد حرمناه، قلت لها : اسكتي. هذا لفظ البخاري ولمسلم، قالت :« وكان رسول الله ﷺ يشتد عليه أو يوجد منه الريح، يعني الريح الخبيثة، ولهذا قلن له أكلت مغافير لأن ريحها فيه شيء، فلما قال :» بل شربت عسلاً « » قلن : جرست نحلة العرفط، أي رعث نحله شجر العرفط الذي صمغه المغافير، فلهذا ظهر ريحه في العسل الذي شربته، قال الجوهري : جرست النحل العرفط إذا أكلته، ومنه قيل للنحل جوارس، وفي رواية عن عائشة أن ( زينب بنت جحش ) هي التي سقته العسل، وأن عائشة وحفصة تواطأتا وتظاهرتا عليه فالله أعلم، وقد يقال : إنهما واقعتان، ولا بعد في ذلك إلا أن كونهما سبباً لنزول هذه الآية فيه نظر، والله أعلم.
ومما يدل على أن عائشة وحفصة رضي الله عنهما هما المتظاهرتان الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن ابن عباس : قال : لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي ﷺ اللتين قال الله تعالى :﴿ إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ حتى حج عمر وحججت معه، فلماكان ببعض الطريق عدل عمر، وعدلت معه بالإداوة، فتبرز ثم أتاني، فسكبت على يديه فتوضأ، فقلت : يا أمير المؤمنين : من المرأتان من أزواج النبي ﷺ اللتان قال الله تعالى :﴿ إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ ؟ فقال عمر : واعجباً لك يا ابن عباس، قال : الزهري : كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه، قال هي ( عائشة وحفصة ). قال : ثم أخذ يسوق الحديث، قال :« كنا معشر قريش قوماً نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤها يتعلمن من نسائهم، قال : وكان منزلي في دار أُميَّة بن زيد بالعوالي، فغضبت يوماً على امرأتي، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت : ما تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج رسول الله ﷺ ليراجعنه، وتهجره إحداهنَّ اليوم إلى الليل، قال : فانطلقت فدخلت على حفصة، فقلت : أتراجعين رسول الله صلى الله عليه سلم؟ قالت : نعم، قلت : وتهجره إحداكنَّ اليوم إلى الليل؟ قالت : نعم، قلت : قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله، فإذا هي قد هلكت، لا تراجعي رسول الله ﷺ، ولا تسأليه شيئاً، وسليني من مالي ما بدا لك، ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم ( أي أجمل ) وأحب إلى رسول الله صلى الله وسلم منك يريد عائشة، قال : وكان لي جار من الأنصار، وكنا نتناوب النزول إلى رسول الله ﷺ، ينزل يوماً وأنزل يوماً، فيأتيني بخبر الوحي وغيره وآتيه بمثل ذلك، قال : وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا، فنزل صاحبي يوماً، ثم أتى عشاء، فضر بابي، ثم ناداني، فخرجت إليه، فقال : حدث أمر عظيم، فقلت : وما ذاك، أَجاءت غسان؟ قال : لا، بل أعظم من ذلك وأطول، طلق رسول الله ﷺ نساءه، فقلت : قد خابت حفصة وخسرت، قد كنت أظن هذا كائناً، حتى إذا صليت الصبح شددت عليّ ثيابي، ثم نزلت، فدخلت على حفصة وهي تبكي فقلت : أطلقكن رسول الله ﷺ ؟ فقالت : لا أدري، هو هذا معتزل في هذه المشربة، فأتيت غلاماً له أسود فقلت استأذن لعمر، فدخ الغلام ثم خرج إلي فقال : ذكرتك له فصمت، فانطلقت حتى أتيت المنبر، فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم، فجلست عنده قليلاً، ثم غلبني ما أجد فأتيت الغلام، فقلت : استأذن لعمر فدخل ثم خرج إلي، فقال : فقد ذكرتك له فصمت، فخرجت فجلست إلى المنبر، ثم غلبني ما أجد، فأتيت الغلام فقلت : استأذن لعمر : فدخل ثم خرج إلي فقال : قد ذكرتك له فصمت فوليت مدبراً. فإذا الغلام يدعوني. فقال : ادخل قد أذن لك. فدخلت فسلمت على رسول الله ﷺ، فإذا هو متكىء على رمال حصير وقد أثر في جنبه فقلت : أطقلت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إليّ، وقال :» لا «، فقلت : ألله أكبر، ولو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش قوماً نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم. فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم. فغضبت على امرأتي يوماً، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني. فقالت : ما تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبي ﷺ ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، فقلت : قد خاب من فعل ذلك منكم وخسرن، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت؟ فتبسم رسول الله صلى عليه وسلم فقلت : يا رسول الله قد دخلت على حفصة، فقلت : لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم أو أحب إلى رسول الله ﷺ منك، فتبسم أُخْرى، فقلت : استأنس يا رسول الله؟ قال :» نعم «، فجلست فرفعت رأسي في البيت فوالله ما رأيت في البيت شيئاً يرد البصر إلاّ أهب مقامه، فقلت : ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أُمتك، فقد وسع على فارس والروم. وهم لا يعبدون الله، فاستوى جالساً وقال :» أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا «، فقلت : استغفر لي يا رسول الله، وكان أقسم أن لا يدخل عليهن شهراً من شدة موجدته عليهن، حتى عاتبه الله عزَّ وجلَّ ».


الصفحة التالية
Icon