وهذا مثل ضربه الله للمؤمنين، أنهم لا تضرهم مخالطة الكفارين إذا كانوا محتاجين إليهم، كما قال تعالى :﴿ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾ [ آل عمران : ٢٨ ] قال قتادة : كان فرعون أعتى أهل الأرض وأكفرهم، فوالله ما ضر امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها، ليلعموا أن الله تعالى حكم عدل لا يؤاخذ أحداً إلاّ بذنبه، وروى ابن جرير، عن سلمان قال : كانت امرأة فرعون تعذب في الشمس، فإذا انصرف عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها، وكانت ترى بيتها في الجنة، فقولها :﴿ رَبِّ ابن لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الجنة ﴾ قال العلماء : اختارت الجار قبل الدار، ﴿ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ﴾ أي خلصني منه فإني أبرأ إليك من عمله ﴿ وَنَجِّنِي مِنَ القوم الظالمين ﴾ وهذه المرأة هي ( آسية بنت مزاحم ) رضي الله عنها، عذَّبها فرعون فشدَّ يديها ورجليها بالأوتاد وهي صابرة، فرأت بيتها في الجنة فضحكت حين رأته، فقال فرعون : ألا تعجبون من جنونها! إنا نعذّبها وهي تضحك، فقبض الله روحها في الجنة رضي الله عنها، وقوله تعالى :﴿ وَمَرْيَمَ ابنت عِمْرَانَ التي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾ أي حفظته وصانته، والإحصان : هو العفاف والحرية ﴿ فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا ﴾ أي بواسطة الملك وهو ( جبريل ) فإن الله بعثه إليها فتمثل لها في صورة بشر سوي، وأمره الله تعالى أن ينفخ فيه بِفيهِ ي جيب درعها، فنزلت النفخة فولجت في فرجها، فكان منه الحمل بعيسى عليه السلام، ولهذا قال تعالى :﴿ فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ ﴾ أي بقدره وشرعه، ﴿ وَكَانَتْ مِنَ القانتين ﴾. وفي الصحيحين، عن أبي موسى الأشعري، عن النبي ﷺ قال :« كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلاّ آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بن خويلد، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ».


الصفحة التالية
Icon