، وقال ابن جرير، عن سعد بن هشام قال :« أتيت عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها فقلت لها : أخبريني بخلق النبي ﷺ، فقالت : كان خلقه القرآن، أما تقرأ :﴿ وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ » ؟ ومعنى هذا أنه ﷺ صار امتثال القرآن سجية له وخلقاً، وترك ضبعه الجبلي، فمهما أمره القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه، هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم، من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم، وكل خلق جميل، كما ثبت في الصحيحين عن أنَس، قال :« خدمت رسول الله ﷺ عشر سنين فما قال لي : أُفٍّ قط، ولا قال لشيء فعلتُه لِمَ فعلتَه؟ ولا لشيء لم أفعله أَلاَ فعلته؟ وكان ﷺ أحسن الناس خُلقاً ولا مست خزاً ولا حريراً ولا شيئاً كان ألين من كف رسول الله ﷺ، ولا شممت مسكاً ولا عطراً كان أطيب من عرق رسول الله ﷺ » وروى البخاري، « عن البراء قال : كان رسول الله ﷺ أحسن الناس وجهاً، وأحسن الناس خَلقاً ليس بالطويل ولا بالقصير »، وروى الإمام أحمد، عن عائشة قالت : ما ضرب رسول الله ﷺ بيده خادماً قط، ولا ضرب امرأة، ولا ضرب بيده شيئاً قط إلاّ أن يجاهد في سبيل الله، ولا خير بين شيئين قط إلاّ كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثماً، فإذا كان إِثماً كان أبعد الناس من الإثم، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلاّ أن تنتهك حرمات الله، فيكون هو ينتقم لله عزَّ وجلَّ.
وقوله تعالى :﴿ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَييِّكُمُ المفتون ﴾ أي فستعلم يا محمد وسيعلم مخالفوك ومكذبوك، من المفتون الضال منك ومنهم. وهذا كقوله تعالى :﴿ سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الكذاب الأشر ﴾ [ القمر : ٢٦ ]، قال ابن عباس في هذه الآية : ستعلم ويعلمون يوم القيامة، ﴿ بِأَييِّكُمُ المفتون ﴾ أي المجنون، وقال قتادة :﴿ بِأَييِّكُمُ المفتون ﴾ أي أولى بالشيطان، ومعنى المفتون ظاهر أي الذي قد افتتن عن الحق وضل عنه، وإنما دخلت الباء في قوله :﴿ بِأَييِّكُمُ ﴾ لتدل على تضمين الفعل في قوله ﴿ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ ﴾ وتقديره : فستعلم ويعلمون، أي فستخبر ويخبرون بأيكم المفتون، والله أعلم، ثم قال تعالى :﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين ﴾ أي هو يعلم تعالى أي الفريقين منكم ومنهم هو المهتدي، ويعلم الحزب الضال عن الحق.