ثم قال تعالى :﴿ إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء ﴾ أي ازداد على الحد، وقال ابن عباس :﴿ طَغَا المآء ﴾ كثر، وذلك بسبب دعوة نوح عليه السلام، فاستجاب الله له، وعمَّ أهل الأرض بالطوفان إلا من كان مع نوح في السفينة، فالناس كلهم من سلالة نوح وذريته، قال علي بن أبي طالب : لم تنزل قطرة من ماء إلا بكيل على يدي ملك، فلما كان يوم نوح أذن للماء دون الخزان، فطغى الماء على الخزان، فخرج، فذلك قوله تعالى :﴿ إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء ﴾ أي زاد على الحد بإذن الله، ﴿ حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية ﴾ ولم ينزل شيء من الريح إلا بكيل على يدي ملك إلا يوم عاد فإنه أذن لها دون الخزان فخرجت، فذلك قوله تعالى :﴿ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ﴾، ولهذا قال تعالى ممتناً على الناس ﴿ حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية ﴾ وهي السفينة الجارية على وجه الماء، ﴿ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً ﴾ أي وأبقينا لكم من جنسها ما تركبون على تيار الماء في البحار، كما قال :﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ ﴾ [ الزخرف : ١٢ ] وقال تعالى :﴿ وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الفلك المشحون * وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ﴾ [ يس : ٤١-٤٢ ] وقال قتادة : أبقى الله السفينة حتى أدركها أوائل هذه الأمة، والأول أظهر، ولهذا قال تعالى :﴿ وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ﴾ أي وتفهم هذه النعمة وتذكرها أذن واعية، قال ابن عباس : حافظة سامعة، وقال قتادة :﴿ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ﴾ عقلت عن الله فانتفعت بما سمعت من كتاب الله. وقال الضحّاك :﴿ وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ﴾ سمعتها أذن ووعت، أي من له سمع صحيح وعقل رجيح، وهذا عام في كل من فهم ووعي.