يقول تعالى مخبراً عن الجن ﴿ وَأَنَّا مِنَّا الصالحون وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ ﴾ أي غير ذلك، ﴿ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً ﴾ أي طرائق متعددة مختلفة وآراء متفرقة، قال ابن عباس ومجاهد ﴿ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً ﴾ أي منها المؤمن ومنا الكافر، وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة العباس بن أحمد الدمشقي قال، سمعت بعض الجن وأنا في منزل لي بالليل ينشد :

قلوب براها الحب حتى تعلقت مذاهبها في كل غرب وشارق
تهيم بحب الله والله ربها معلقة بالله دون الخلائق
وقوله تعالى :﴿ وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ الله فِي الأرض وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً ﴾ أي نعلم أن قدرة الله حاكمة علينا، وأنا لا نعجزه ولو أمعنا في الهرب، فإنه علينا قادر لا يعجزه أحد منا. ﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الهدى آمَنَّا بِهِ ﴾ يفتخرون بذلك وهو مفخر لهم وشرف رفيع، وصفة حسنة، وقولهم :﴿ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً ﴾ قال ابن عباس وقتادة : فلا يخاف أن ينقص من حسناته أو يحمل عليه غير سيئاته، كما قال تعالى :﴿ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً ﴾ [ طه : ١١٢ ]، ﴿ وَأَنَّا مِنَّا المسلمون وَمِنَّا القاسطون ﴾ أي منا المسلم ومنا القاسط، وهو الجائر عن الحق الناكب عنه بخلاف المقسط، فإنه العادل، ﴿ فَمَنْ أَسْلَمَ فأولئك تَحَرَّوْاْ رَشَداً ﴾ أي طلبوا لأنفسهم النجاة، ﴿ وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً ﴾ أي وقوداً تسعر بهم، ﴿ وَأَلَّوِ استقاموا عَلَى الطريقة لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً * لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ اختلف المفسرون في معنى هذا على قولين :( أحدهما ) : وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام، واستمروا عليها ﴿ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً ﴾ أي كثيراً، والمراد بذلك سعة الرزق كقوله تعالى :﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء والأرض ﴾ [ الأعراف : ٩٦ ]، وعلى هذا يكون معنى قوله :﴿ لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ أي لنختبرهم من يستمر على الهداية ممن يرتد إلى الغواية، قال ابن عباس :﴿ وَأَلَّوِ استقاموا عَلَى الطريقة ﴾ يعني بالاستقامة الطاعة، وقال مجاهد : يعني الإسلام. وقال قتادة :﴿ وَأَلَّوِ استقاموا عَلَى الطريقة ﴾ يقول : لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا. وقال مقاتل : نزلت في كفار قريش حين منعوا المطر سبع سنين، ( والقول الثاني ) :﴿ وَأَلَّوِ استقاموا عَلَى الطريقة ﴾ الضلال ﴿ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً ﴾ أي لأوسعنا علينا الرزق استدراجاً، كما قال تعالى :﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [ الأنعام : ٤٤ ] وهذا قول أبي مجلز، وحكاه البغوي عن الربيع، وزيد بمن أسلم، والكلبي، وله اتجاه ويتأيد بقوله ﴿ لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾، وقوله :﴿ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً ﴾ أي عذاباً مشقاً موجعاً مؤلماً، قال ابن عباس ومجاهد ﴿ عَذَاباً صَعَداً ﴾ أي مشقة لا راحة معها، وعن ابن عباس : جبل في جهنم.


الصفحة التالية
Icon