وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت :« إن كان ليوحى إلى رسول الله ﷺ وهو على راحلته فتضرب بجرانها ».
وقوله تعالى :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الليل هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً ﴾ قال عمر : الليل كله ناشئة، وقال مجاهد : نشأ إذا قام من الليل، وفي رواية عنه : بعد العشاء، والغرض أن ﴿ نَاشِئَةَ الليل ﴾ هي ساعاته وأوقاته، وكل ساعة منه تسمى ناشئة، والمقصود أن قيام الليل هو أشد مواطأة بين القلب واللسان، وأجمع على التلاوة، ولهذا قال تعالى :﴿ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً ﴾ أي أجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهمها من قيام النهار، لأنه وقت انتشار الناس ولغط الأصوات وأوقات المعاش، ولهذا قال تعالى :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾، قال أبو العالية ومجاهد : فراغاً طويلاً، وقال قتادة : فراغاً وبغية ومتقلباً، وقال السدي :﴿ سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ تطوعاً كثيراً، وقال عبد الرحمن بن زيد ﴿ سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ قال : لحوائجك فأفرغ لدينك الليل، وهذا حين كانت صلاة الليل فريضة، ثم إن الله تبارك وتعالى منَّ على عباده فخففها، ووضعها. روى الإمام أحمد، عن زرارة بن أوفى، عن سعيد بن هشام قال : قلت :« يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله ﷺ ؟ قالت : ألست تقرأ القرآن؟ قلت : بلى، قالت : فإن خلق رسول الله ﷺ كان القرآن، فهممت أن أقوم، ثم بدا لي قيام رسول الله ﷺ، قلت : يا أم المؤمنين أنبئيني عن قيام رسول الله ﷺ ؟ قالت : ألست تقرأ هذه السورة :﴿ ياأيها المزمل ﴾ ؟ قلت : بلى، قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام رسول الله ﷺ وأصحابه حولاً حتى انفتخت أقدامهم »، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعاً من بعد فريضة. وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت :« كنت أجعل لرسول الله ﷺ حصيراً يصلي عليه من الليل، فتسامع الناس به فاجتمعوا فخرج كالمغضب وكان بهم رحيماً فخشي أن يكتب عليهم قيام الليل فقال :» يا أيها الناس اكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل وخير الأعمال ما ديم عليه « ونزل القرآن :﴿ ياأيها المزمل * قُمِ اليل إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ انقص مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ ﴾ حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق، فمكثوا بذلك ثمانية أشهر فرأى الله ما يبتغون من رضوانه فرحمهم فردهم إلى الفريضة وترك قيام الليل.
وقال ابن جرير : لما نزلت ﴿ ياأيها المزمل ﴾ قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت :