يقول تعالى متوعداً لهذا الخبيث، الذي أنعم الله عليه بنعم الدنيا، فكفر بأنعم الله وبدلها كفراً، وقابلها بالجحود بآيات الله والافتراء عليها، وقد عدّد الله عليه نعمه حيث قال تعالى :﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ﴾ أي خرج من بطن أمه وحده لا ما له ولا ولد، ثم رزقه الله تعالى :﴿ مَالاً مَّمْدُوداً ﴾ أي واسعاً كثيراً، قيل : ألف دينار، وقيل : مائة ألف دنيار، وقيل أرضاً يستغلها، وقيل غير ذلك، وجعل له ﴿ وَبَنِينَ شُهُوداً ﴾ قال مجاهد : لا يغيبون، أي حضوراً عنده لا يسافرون، وهم قعود عند أبيهم يتمتع بهم ويتملى بهم، وكانوا فيما ذكره السدي ثلاثة عشر، وقال ابن عباس ومجاهد : كانوا عشرة، وهذا أبلغ في النعمة، وهو إقامتهم عنده، ﴿ وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً ﴾ أي مكنته من صنوف المال والأثاث وغير ذلك، ﴿ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلاَّ إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً ﴾ أي معانداً وهو الكفر على نعمه بعد العلم. قال الله تعالى :﴿ سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً ﴾. روى ابن أبي حاتم، عن أبي سعيد « عن النبي ﷺ ﴿ سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً ﴾ قال : هو جبل في النار من نار يكلف أنه يصعده، فإذا وضع يده ذابت، وإذا رفعها عادت »، وقال ابن عباس ﴿ صَعُوداً ﴾ صخرة في جهنم يسحب عليها الكافر على وجهه، وقال السدي :﴿ صَعُوداً ﴾ : صخرة ملساء في جهنم يكلف أن يصعدها، وقال مجاهد :﴿ سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً ﴾ أي مشقة من العذاب، وقال قتادة : عذاباً لا راحة فيه، واختاره ابن جرير، وقوله تعالى :﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ﴾ أي إنما أرهقناه صعوداً لبعده عن الإيمان لأنه فكّر ﴿ وَقَدَّرَ ﴾ أي تروّى ماذا يقول في القرآن حين سئل عن القرآن ففكّر ماذا يختلق من المقال ﴿ وَقَدَّرَ ﴾ أي تروّى ﴿ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ﴾ دعاء عليه ﴿ ثُمَّ نَظَرَ ﴾ أي أعاد النظرة والتروي ﴿ ثُمَّ عَبَسَ ﴾ أي قبض بين عينيه وقطّب ﴿ وَبَسَرَ ﴾ أي كلح وكره، ومنه قول توبة بن حمير :
وقد رابني منها صدود رأيته | وإعراضها عن حاجتي وبُسُورها |