« أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي ﷺ، فقرأ عليه القرآن فكأنه رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل بن هشام، فأتاه فقال : أي عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً. قال : لم؟ قال : يعطونكه، فإنك أتيت محمداً تعرض له قبله، قال : قد علمت قريش إني أكثرها مالاً، قال : فقل فيه قولاً يعلم قومك أنك منكر لما قال، وأنك كاره له. قال : فماذا أقول فيه؟ فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة. وأنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو وما يعلى قال : والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه، قال : فدعني حتى أتفكر فيه، فلما فكر قال : إن هذا إلا سحر يؤثره عن غيره، فنزلت :﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ﴾ حتى بلغ ﴿ تِسْعَةَ عَشَرَ ﴾ » وقد زعم السدي أنهم لما اجتمعوا في دار الندوة ليجمعوا رأيهم على قول يقولونه فيه قيل أن يقدم عليهم وفود العرب للحج ليصدوهم عنه، فقال قائلون : شاعر. وقال آخرون : ساحر، وقال آخرون : كاهن، وقال آخرون : مجنون، كما قال تعالى :﴿ انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٤٨، الفرقان : ٩ ]، كل هذا والوليد يفكر فيما يقوله فيه، ففكر وقدر، ونظر عبس وبسر، فقال :﴿ فَقَالَ إِنْ هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هاذآ إِلاَّ قَوْلُ البشر ﴾ قال الله تعالى :﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ﴾ أي سأغمره فيها من جميع جهاته، ثم قال تعالى :﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ ﴾ ؟ وهذا تهويل لأمرها وتفخيم، ثم فسر ذلك بقوله تعالى :﴿ لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ ﴾ أي تأكل لحومهم وعروقهم وعصبهم وجلودهم.