يقول تعالى :﴿ وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النار إِلاَّ مَلاَئِكَةً ﴾ أي خزانها ﴿ إِلاَّ مَلاَئِكَةً ﴾ أي زبانية غلاظاً شداً، وذلك رد على مشركي قريش حين ذكر عدد الخزنة، فقال أبو جهل : يا معشر قريش أما يستطيع كل عشرة منكم لواحد منهم فتغلبونهم، فقال الله تعالى :﴿ وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النار إِلاَّ مَلاَئِكَةً ﴾ أي شديدي الخلق لا يقاومون ولا يغالبون، وقد قيل : إن ( أبا الأشدين ) قال : يا معشر قريش أكفوني منهم اثنين، وأنا أكفيكم منهم سبعة عشر إعجاباً منه بنفسه، وكان قد بلغ من القوة فيما يزعمون أنه كان يقف على جلد البقرة. ويجاذبه عشرة لينزعوه من تحت قدميه، فيتمزق الجلد ولا يتزحزح عنه، قال السهيلي : وهو الذي دعا رسول الله ﷺ إلى مصارعته وقال : إن صرعتني آمنت بك، فصرعه النبي صلى الله علثه وسلم مراراً فلم يؤمن، وقوله تعالى :﴿ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ أي إنما ذكرنا عدتهم أنهم تسعة عشر اختباراً منا للناس، ﴿ لِيَسْتَيْقِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب ﴾ أي يعلمون أن هذا الرسول حق، فإنه نطق بمطابقة ما بأيديهم من الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء قبله، وقوله تعالى :﴿ وَيَزْدَادَ الذين آمنوا إِيمَاناً ﴾ أي إلى إيمانهم بما يشهدون من صدق أخبار نبيهم ﷺ، ﴿ وَلاَ يَرْتَابَ الذين أُوتُواْ الكتاب والمؤمنون وَلِيَقُولَ الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ أي من المنافقين، ﴿ والكافرون مَاذَآ أَرَادَ الله بهذا مَثَلاً ﴾ أي يقولون ما الحكمة في ذكر هذا هاهنا؟ قال الله تعالى :﴿ كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ ﴾ وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة، وقوله تعالى :﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ ﴾ أي ما يعلم عددهم وكثرتهم إلاّ هو تعالى، لئلا يتوهم متوهم أنهم تسعة عشر فقط، وقد ثبت في حديث الإسراء عن صفة البيت المعمور الذي في السماء السابعة :« فإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه آخر ما عليهم ».
وروى الإمام أحمد، عن أبي ذر قال، قال رسول الله ﷺ :« » إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطّت السماء، وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلاّ عليه ملك ساجد، لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولا تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى « فقال أبو ذر : والله لوددت أني شجرة تعضد »، وعن جابر بن عبد الله قال، « قال رسول الله ﷺ : ما في السماوات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف، إلاّ وفيه ملك قائم أو ملك ساجد أو ملك راكع، فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعاً سبحانك ما عبدناك حق عبادتك إلاّ أنا لم نشرك بك شيئاً »


الصفحة التالية
Icon