يخبر تعالى عن حالة الاحتضار، وما عنده من الأهوال، ثبتنا الله هنالك بالقول الثابت، فقال تعالى :﴿ كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التراقي ﴾ إن جعلنا ( كلا ) رادعة فمعناها : لست يا ابن آدم هناك تكذب بما أخبرت به، بل صار ذلك عندك عياناً، وإن جعلناها بمعنى ( حقاً ) فظاهر أي حقاً إذا بلغت التراقي أي انتزعت روحك من جسدك وبلغت تراقيك، والتراقي جمع ( ترقوة ) وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق كقوله تعالى :﴿ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ ولكن لاَّ تُبْصِرُونَ ﴾ [ الواقعة : ٨٣-٨٥ ]، ﴿ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ﴾ ؟ قال ابن عباس : أي من راق يرقي؟ وقال أبو قلابة؟ أي من طبيب شاف. وعن ابن عباس :﴿ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ﴾ قيل : من يرقى بروحه ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ فعلى هذا يكون من كلام الملائكة، وقال ابن عباس في قوله :﴿ والتفت الساق بالساق ﴾ قال : التفت عليه الدنيا والآخرة، وعنه ﴿ والتفت الساق بالساق ﴾ يقول : آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة، فتلقي الشدة بالشدة إلاّ من رحمه الله، وقال عكرمة :﴿ والتفت الساق بالساق ﴾ الأمر العظيم بالأمر العظيم، وقال مجاهد : بلاء ببلاء، وقال الحسن البصري : هما ساقاك إذا التفتا، وكذا قال السدي عن الحسن : هو لفهما في الكفن، وقال الضحّاك :﴿ والتفت الساق بالساق ﴾ اجتمع عليه أمران : الناس يجهزون جسده، والملائكة يجهزون روحه.
وقوله تعالى :﴿ إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المساق ﴾ أي المرجع والمآب، وذلك أن الروج ترفع إلى السماوات، فيقول الله عزَّ وجلَّ : ردوا عبدي إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم، منها أخرجهم تارة أُخرى، كما ورد في حديث البراء الطويل، وقوله جلَّ وعلا :﴿ فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صلى * ولكن كَذَّبَ وتولى ﴾ هذا إخبار عن الكافر الذي كان في الدار الدنيا مكذباً للحق بقلبه، متولياً عن العمل بقالبه، فلا خير فيه باطناً ولا ظاهراً، ولهذا قال تعالى :﴿ فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صلى * ولكن كَذَّبَ وتولى * ثُمَّ ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يتمطى ﴾ أي جذلان أشراً بطراً، لا همة له ولا عمل، كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمُ انقلبوا فَكِهِينَ ﴾ [ المطففين : ٣١ ]، وقال تعالى :﴿ إِنَّهُ كَانَ في أَهْلِهِ مَسْرُوراً * إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ﴾ [ الانشقاق : ١٣-١٤ ] أي يرجع، وقال ابن عباس :﴿ ثُمَّ ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يتمطى ﴾ أي يختال، وقال قتادة : يتبختر، قال الله تعالى :﴿ أولى لَكَ فأولى * ثُمَّ أولى لَكَ فأولى ﴾ وهذا تهديد ووعيد من الله تعالى للكافر، المتبختر في مشيه، أي يحق لك أن تمشي هكذا وقد كفرت بخالقك وبارئك، وذلك على سبيل التهكم والتهديد، كقوله تعالى :﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم ﴾ [ الدخان : ٤٩ ]، وكقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon