يخبر تعالى رسوله محمداً ﷺ عن عبده ورسوله موسى عليه السلام، أنه ابتعثه إلى فرعون وأيده الله بالمعجزات، ومع هذا استمر على كفره طغيانه حتى أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وكذلك عاقبة من خالفك يا محمد وكذب بما جئت به، ولهذا قال في آخر القصة :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يخشى ﴾ فقوله تعالى :﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ موسى ﴾ أي هل سمعت بخبره ﴿ إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ ﴾ أي كلمة نداء ﴿ بالواد المقدس ﴾ أي المطهر، ﴿ طُوًى ﴾ وهو اسم الوادي على الصحيح، فقال له :﴿ اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى ﴾ أي تجبر وتمرد وعتا، ﴿ فَقُلْ هَل لَّكَ إلى أَن تزكى ﴾ أي قل له هل لك أن تجيب إلى طريقة تزكى به أي تسلم وتطيع، ﴿ وَأَهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ ﴾ أي أدلك إلى عبادة ربك ﴿ فتخشى ﴾ أي فيصير قلبك خاضعاً له مطيعاً خاشعاً، بعد ما كان قاسياً خبيثاً بعيداً من الخير، ﴿ فَأَرَاهُ الآية الكبرى ﴾ يعني فأظهر له موسى مع هذه الدعوة الحق حجة قوية، ودليلاً واضحاً على صدق ما جاء به من عند الله، ﴿ فَكَذَّبَ وعصى ﴾ أي فكذب بالحق، وخالف ما أمره به من الطاعة، ﴿ ثُمَّ أَدْبَرَ يسعى ﴾ أي في مقابلة الحق بالباطل وهو جمعه السحرة، ليقابلوا ما جاء به موسى عليه السلام من المعجزات الباهرات ﴿ فَحَشَرَ فنادى ﴾ أي في قومه، ﴿ فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى ﴾ قال ابن عباس و مجاهد : وهذه الكلمة قالها فرعون بعد قوله :﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي ﴾ [ القصص : ٣٨ ] بأربعين سنة، قال الله تعالى :﴿ فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الآخرة والأولى ﴾ أي انتقم الله منه انتقاماً جعله به عبرة ونكالاً لأمثاله من المتمردين في الدنيا، ﴿ وَيَوْمَ القيامة بِئْسَ الرفد المرفود ﴾ [ هود : ٩٩ ]، كما قال تعالى :﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النار وَيَوْمَ القيامة لاَ يُنصَرُونَ ﴾ [ القصص : ٤١ ]، وهذا هو الصحيح في معنى الآية أن المراد بقوله :﴿ نَكَالَ الآخرة والأولى ﴾ أي الدنيا والآخرة، وقيل : المراد بذلك كلمتاه الأولى والثانية، وقيل : كفره وعصيانه، والصحيح الأول، وقوله :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يخشى ﴾ أي لمن يتعظ وينزجر.