يقول تعالى ذاماً لمن أنكر البعث والنشور من بني آدم :﴿ قُتِلَ الإنسان مَآ أَكْفَرَهُ ﴾، قال ابن عباس : لعن الإنسان، وهذا الجنس الإنسان المكذب لكثرة تكذيبه ﴿ مَآ أَكْفَرَهُ ﴾ أي ما أشد كفره، وقال ابن جرير : ويحتمل أن يكون المراد أي شيء جعله كافراً أي ما حمله على التكذيب بالمعاد؟ وقال قتادة :﴿ مَآ أَكْفَرَهُ ﴾ ما ألعنه، ثم بين تعالى له كيف خلقه من الشيء الحقير، وأنه قادر على إعادته كما بدأه فقال تعالى :﴿ مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴾ أي قدّر أجله ورزقه وعمله وشقي أو سعيد ﴿ ثُمَّ السبيل يَسَّرَهُ ﴾ قال ابن عباس : ثم يسر عليه خروجه من بطن أمه، وقال مجاهد : هذه كقوله تعالى :﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾ [ الإنسان : ٣ ] أي بيناه له وأوضحناه وسهلنا عليه علمه، وهذا هو الأرجح والله أعلم، وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ﴾ أي أنه بعد خلقه له ﴿ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ﴾ أي جعله ذا قبر، والعرب تقول قبرت الرجل إذا ولي ذلك منه. وأقبره الله، وطردت عني فلاناً وأطرده الله، أي جعله طريداً، وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ ﴾ أي بعثه بعد موته، ومنه يقال البعث والنشور، عن أبي سعيد عن النبي ﷺ قال :« » يأكل التراب كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه «، قيل : وما هو يا رسول الله؟ قال :» مثل حبة خردل منه تنشأون « » وهذا الحديث ثابت في الصحيحين بدون هذه الزيادة، ولفظه :« كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب »، وقوله تعالى :﴿ كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ ﴾ قال ابن جرير : يقول جل ثناؤه كلا ليس الأمر كما يقول هذا الإنسان الكافر من أنه قد أدى حق الله عليه في نفسه وماله، ﴿ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ ﴾ يقول : لم يؤدما فرض عليه من الفرائض لربه عزّ وجلّ، عن مجاهد قال : لا يقضي أحد أبداً كل ما افترض عليه.
وقوله تعالى :﴿ فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ ﴾ فيه امتنان، وفيه استدلال بإحياء النبات من الأرض الهامدة، على أحياء الأجسام بعدما كانت عظاماً بالية وتراباً متمزقاً، ﴿ أَنَّا صَبَبْنَا المآء صَبّاً ﴾ أي أنزلناه من السماء على الأرض، ﴿ ثُمَّ شَقَقْنَا الأرض شَقّاً ﴾ أي أسكناه فيها فيدخل في تخومها، فنبت وارتفع وظهر على وجه الأرض، ﴿ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً ﴾، فالحب كل ما يذكر من الحبوب، والعنب معروف، والقضب هو الفصفصة التي تأكلها الدواب رطبة، ويقال لها القت أيضاً، قال ذلك ابن عباس وقتادة، وقال الحسن البصري : القضب العلف، ﴿ وَزَيْتُوناً ﴾ وهو معروف، وهو أدم وعصيره أدم، ويستصبح به ويدهن به، ﴿ وَنَخْلاً ﴾ يؤكل بلحاً وبسراً، ورطباً وتمراً، ونيئاً ومطبوخاً، ويعتصر منه رب وخل.