كقوله :﴿ والليل إِذَا عَسْعَسَ * والصبح إِذَا تَنَفَّسَ ﴾ [ التكوير : ١٧-١٨ ] وقال الضّحاك :﴿ واليل إِذَا يَسْرِ ﴾ أي يجري، وقال عكرمة :﴿ واليل إِذَا يَسْرِ ﴾ يعني ليلة جمع ليلة المزدلفة، وقوله تعالى :﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ ﴾ أي لذي عقل ولب وحجى، وإنما سمي العقل ( حجراً ) لأنه يمنع الإنسان من تعاطي ما لا يليق به من الأفعال والأقوال، وحجَر الحاكم على فلان إذا منعه التصرف، وهذا القسم هو بأوقات العبادة، وبنفس العبادة من حج وصلاة وغير ذلك من أنواع القرب، التي يتقرب إليه عباده المتقون المطيعون له، الخائفون منه، المتواضعون لديه، الخاشعون لوجهه الكريم، ولما ذكر هؤلاء وعبادتهم طاعتهم قال بعده :﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ﴾ ؟ وهؤلاء كانوا متمردين عتاة جبارين، خارجين عن طاعته مكذبين لرسله، فذكر تعالى كيف أهلكهم ودمرهم وجعلهم أحاديث وعبراً، فقال :﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ العماد ﴾ ؟ وهؤلاء ( عاد الأولى ) وهم الذي بعث الله فيهم رسوله هوداً عليه السلام فكذبوه وخالفوه، فأنجاه الله من بين أظهرهم ومن آمن معه منهم وأهلكهم ﴿ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ﴾ [ الحاقة : ٦ ]، وقد ذكر الله قصتهم في القرآن، ليعتبر بمصرعهم المؤمنون، قوله تعالى :﴿ إِرَمَ ذَاتِ العماد ﴾ عطف بيان زيادة تعريف بهم، وقوله تعالى :﴿ ذَاتِ العماد ﴾ لأنهم كانوا يسكنون بيوت الشعر التي ترفع بالأعمدة الشداد، وقد كانوا أشد الناس في زمانهم خلقة وأقواهم بطشاً، ولهذا ذكّرهم ( هود ) بتلك النعمة، وأرشدهم إلى أن يستعملوها في طاعة ربهم الذي خلقهم فقال :﴿ واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الخلق بَصْطَةً فاذكروا آلآءَ الله... وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأرض مُفْسِدِينَ ﴾ [ الأعراف : ٦٩-٧٤ ].
وقوله تعالى :﴿ فَأَمَّا عَادٌ فاستكبروا فِي الأرض بِغَيْرِ الحق وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾ [ فصلت : ١٥ ]، وقال هاهنا :﴿ التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد ﴾ أي القبيلة التي لم يخلق مثلها في بلادهم لقوتهم وشدتهم وعظم تركيبهم، وقال مجاهد : إرم أمة قديمة يعني عاداً الأولى، قال قتادة والسدي : إن إرم بيت مملكة عاد، وكانوا أهل عمد لا يقيمون، وقال ابن عباس : إنما قيل لهم ذات العماد لطولهم، واختار الأول ابن جرير، وقوله تعالى :﴿ التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد ﴾ الضمير يعود على القبيلة، أي لم يخلق مثل تلك القبيلة في البلاد يعني في زمانهم، روي عن المقدام أنه ذكر ﴿ إِرَمَ ذَاتِ العماد ﴾ فقال :« كان الرجل منهم يأتي على الصخرة فيحملها على الحي فيهلكهم »


الصفحة التالية
Icon