وعن ميمون بن مهران قال : كنت جالساً عند عمر بن عبد العزيز فقرأ :﴿ أَلْهَاكُمُ التكاثر * حتى زُرْتُمُ المقابر ﴾ فلبث هنهية ثم قال : يا ميمون ما أرى المقابر إلاّ زيار وما للزائر بد من أن يرجع إلى منزله يعني أن يرجع إلى منزله أي إلى جنة أو إلى نار، وهكذا ذكر أن بعض الأعراب سمع رجلاً يتلو هذه الآية :﴿ حتى زُرْتُمُ المقابر ﴾ فقال : بعث اليوم ورب الكعبة، أي أن الزائر سيرحل من مقامه ذلك إلى غيره، وقوله تعالى :﴿ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ قال الحسن البصري هذا وعيد بعد وعيد، وقال الضحّاك ﴿ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ يعني أيها الكفار، ﴿ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ يعني أيها المؤمنون، وقوله تعالى :﴿ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليقين ﴾ أي لو علمتم حق العلم لما ألهاكم التكاثر عن طلب الدار الآخرة حتى صرتم إلى المقابر ثم قال :﴿ لَتَرَوُنَّ الجحيم * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليقين ﴾ هذا تفسير الوعيد المتقدم، وهو قوله :﴿ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ توعدهم بهذا الحال وهو رؤية أهل النار، التي إذا زفرت زفرة واحدة، خرّ كل ملك مقرب ونبي مرسل على ركبتيه، من المهابة والعظمة ومعاينة الأهوال، على ما جاء به الأثر المروي في ذلك.
وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم ﴾ أي ثم لتسألن يومئذٍ عن شكر ما أنعم الله به عليكم، من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك، ما إذا قابلتم به نعمه من شكره وعبادته. روى ابن جرير، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :« بينما أبو بكر وعمر جالسان إذا جاءهما النبي ﷺ فقال :» ما أجلسكما هاهنا؟ «، قالا : والذي بعثك بالحق ما أخرجنا من بيوتنا إلاّ الجوع، قال :» والذي يعثني بالحق ما أخرجني غيره «، فانطلقوا حتى أتوا بيت رجل من الأنصار، فاستقبلتهم المرأة، فقال لها النبي ﷺ :» أين فلان؟ « قالت : ذهب يستعذب لنا ماء، فجاء صاحبهم يحمل قربته، فقال : مرحباً ما زار العباد شيء أفضل من نبي زارني اليوم، فعلق قربته بكرب نخلة، وانطلق فجاءهم بعذق، فقال النبي ﷺ :» ألا كنت اجتنيت «، فقال : أحببت أن تكونوا الذين تختارون على أعينكم، ثم أخذ الشفرة، فقال له النبي ﷺ :» إياك والحلوب « فذبح لهم يومئذٍ، فأكلوا فقال النبي صلى عليه وسلم :» لتسألن عن هذا يوم القيامة أخرجكم الجوع، فلم ترجعوا حتى أصبتم هذا، فهذا من النعيم « »


الصفحة التالية
Icon